تصاعدت وتيرة الأحداث في البحرين في الأيام القليلة الماضية على نحو وصلت فيه الأمور إلى حد تهديد أمن هذا البلد واستقرار شعبه وتوقف عجلة اقتصاده الذي يعتمد على خدمات المال والأعمال والاستثمارات الأجنبية. وفي حين يرى البعض أن ما يحدث في البحرين أمر غير مستغرب في ضوء ما تشهده المنطقة من أحداث، فإن الواقع يقول إن المشهد البحريني منذ بدايته في الرابع عشر من فبراير الماضي مغاير تماماً لما شهدته بقية الدول العربية من مظاهرات واحتجاجات وخاصة في مصر وتونس اللتين شهدتا إسقاط نظاميهما. وهذا الاختلاف يمكن تلمسه على أكثر من صعيد: أولا: ما جرى في تونس ومصر وبعض الدول العربية الأخرى من ثورات أمر يمكن تفهمه، باستقراء الأوضاع الاقتصادية، الاجتماعية، والأمنية التي عانت منها شعوب هذه الدول على مدار عقود من الزمن، ومحاولة إلصاق هذا المشهد بالبحرين فيه تجنٍ كبير ، فالبحرين ومنذ حصولها على الاستقلال قبل أربعة عقود استطاعت أن تحقق نهضة اقتصادية وتنموية كبيرة. ثانياً: شهدت البحرين حراكاً سياسياً غير مسبوق في السنوات العشر الأخيرة، أصبحت بموجبه دولة على طريق الديمقراطية تجرى فيها انتخابات نزيهة وذات برلمان حر تشكل المعارضة أغلبيته للدورة الثانية على التوالي، ويحتاج إلى بعض الصلاحيات المحدودة فقط. ثالثاً: مشهد المظاهرات والاعتصامات في البحرين ومنذ الوهلة الأولى لايبدو سلمياً تماماً، فقد صاحبته مظاهر عنف تجاه رجال الأمن واستخدام المتظاهرين الأسلحة البيضاء كالسكاكين والهراوات والسيوف والأسلحة النارية الخفيفة، ثم ما لبث الأمر أن تصاعد على نحو يهدد أمن واستقرار المواطنين. رابعاً: بخلاف حركات الاحتجاج التي شهدتها الدول العربية الأخرى، فإن البعد الطائفي واضح وجلي في المظاهرات التي تشهدها البحرين، فالمتظاهرون يشكلون طائفة معينة، ومع أنهم ليسوا سوى جزء بسيط من هذه الطائفة إلا أنهم يتحركون بدافع طائفي ومطالب طائفية. خامساً: في المشهد البحريني التدخل الخارجي واضح وملموس، فبعض من قادة المتظاهرين سواء كانوا أفرادا أو حركات معلوم ارتباطهم بمراجع دينية معينة وبالدوائر الرسمية ذات العلاقة. كما أن التدخل الإيراني وصل إلى درجة تأييدها لما يحدث في البحرين من أعمال فوضى ورفضها تدخل قوات درع الخليج في حماية أمن واستقرار البحرين. ومعروف أن تاريخ التدخلات الإيرانية في البحرين طويل، وبلغ التوتر مرحلة قصوى عام 1996. إن الإصلاحات السياسية والاقتصادية هي البديل الواقعي والأسلم لتحقيق البحرين المستقرة المتماسكة، أما من يدفعون باتجاه محاولة إسقاط النظام فهم يدفعون بلادهم إلى نفق لا ضوء في نهايته؛ لأن الأمر ليس مجرد تجاوز النظام، بل صنع هوية جديدة للبحرين مغايرة لتاريخها وإرثها الثقافي والاجتماعي، وليس تغييب نظام سياسي واجتماعي وثقافي يشكل جزءا من تراث الخليج ومن خصوصيته ويشكل أحد عوامل استقراره وقوته.