• قبل أكثر من 20عاما، كنت في الخامسة من عمري، أعيش بين إخوتي وتحت كنف ورعاية والديّ، وعندما كبرت وتخرجت ثم عملت وتزوجت، أصبحت أعيش بعيدا عن ذلك الجو الذي كان يجمعني بوالديّ وإخوتي، وأصبحت مشغولا بوظيفتي وأسرتي، هذا الانشغال انعكس على عدد مرات زيارتي ورؤيتي لأبي وأمي، وأصبحت اسمع منهما كلاما قاسيا، وفي كثير من الأحيان يقولان إنني أتجاهلهما ولا أفكر فيهما، وأن زوجتي أخذتني منهما، وأنني لن أجازيهما مهما فعلت لهما من إحسان ومعروف، هذا الكلام يتعرض له كثير منا، فهل هذا العتاب والملامة من الأبوين للابن يعتبران أمرا سلبيا ويدخل في باب العقوق؟ سالم جدة والداك ليسا نوعا فريدا من الآباء في مجتمعاتنا، فهما الأنموذج الأكثر انتشارا وشيوعا بين الآباء، فإن كانا قد ربياكم على الحب، فهذا يعني أنهما قد أعطياكم الكثير من الحنان والاهتمام، وواجبكم هو رد بعض من هذا العطاء والاهتمام، وحين تواجهون عطاءهما بهذا البعد، فما يبقى لديهم ليس إلا الشعور بجحودكم لهما، فلماذا هذا الجحود؟ وإن كنتم تشعرون بالاستياء من كثرة عتابهما، فالحل ليس بكثرة الابتعاد عنهما وزيادة شعورهما بجحودكم، وإنما بزيادة برهما، ومع يقيني أن الأسلوب الأمثل الذي ينبغي أن يتبعه الوالدان ليس كثرة العتاب، وإنما التماس العذر للأبناء، ولكننا أمام أبوين اعتادا على مثل هذه الطريقة في لفت نظر أبنائهما إلى أهمية أن يجدا منهم البر والعطف والحنان والاهتمام، إلا أن الخاسر الأكبر من مثل هذه العلاقة غير الجيدة بينكم وبين والديكم ليس هما فقط بقدركم أنتم، فأنتم بقطيعتهما تخسرون الكثير، وعليكم أن تنتبهوا إلى أن هذا السلوك يخضع لقاعدة الوفاء والدين، ويخضع لقاعدة كما تدين تدان، وأعتقد أنك مدركة إلى أن ما يدفع أباك وأمك لكثرة العتاب على انقطاعكم عنهم ليس إلا شعورهم بالوحدة، فلا تجعلوا أبناءكم يرونكم تعاملون والديكم بهذه الطريقة، لأنكم حين تكبرون لن يكون مناسبا أن تطالبوهم بوصلكم وبركم وأنتم لم تفوا بحق والديكم ولم تقوموا بواجبكم كما ينبغي تجاههم، لذا أتمنى أن تتذكري أنت وإخوانك وأخواتك أن العقاب في مثل هذه الحالة سريع في الدنيا قبل الآخرة في أحيان كثيرة، وتذكروا أن والديكم إن كانوا موجودين اليوم فقد لا تجدونهما في الغد، وعندها لن تستطيعوا أن تصلحوا ما فسد من علاقة بينكم وبينهما، وكلما تحملتم ما يسيئكم من سلوكهم كسبتم أكثر من الأجر والبر.