«من فيض».. من دواخل الأسماء التي يستضيفها هذا الفضاء، نحاول مقاربة جوانب مخزونها الثقافي والمعرفي، واستكناه بواطنها لتمطر، ثم تقديمها إلى الناس، مصطحبين تجاربهم، ذكرياتهم، ورؤاهم في الحياة ومن حولهم، وذلك على شاكلة أسئلة قصيرة وخفيفة في آن معا. عندما أطل الفنان الدكتور راشد الشمراني من نافذة الكوميديا في التلفزيون والمسرح السعوديين إلى جانب معظم نجوم الدراما السعودية في مسرح الجامعة وفي نفس الوقت مزاملا للثنائي الشهير عبد الله وناصر وخالد سامي كان قد حجز لنفسه مكانة في عالم الكوميديا وفي قلوب متابعي الشاشة. راشد الشمراني أصر على أن يواصل أيضا في نفس الوقت إلى جانب التمثيل دراسته وعمله في العسكرية.. تحصل على الدكتوراة في علم النفس لكي يضمن لنفسه خط رجعة فيما لو أنه تعثر فنيا لأي سبب كان بما فيها الأسباب الإنتاجية التي يشكو منها كثيرون.. عندما قدم راشد شخصية «أبو هلال» في كاركتر الشخصية الحجازية العتيقة نجح فيها ونجح للدرجة التي خشي عليه منها النقاد كي لا يحجز في إطار هذا الكاركتر فتعامل معه كتاب وأدباء كثيرون بغية استثمار موهبته كممثل، الخلاصة أنه استطاع أن يحقق النجاح في الاتجاهين ليحصل على الدكتوراة في الحياة العملية والعلمية ويحصل على حب المشاهد والمحب للكوميديا المحلية. • الدكتور راشد الشمراني أم الفنان راشد أيهما الأقرب إلى شخصيتك؟ إذا اخترت أحد الاتجاهين فإنني حتما سأظلم الثاني كلاهما يسكنان في دواخلي ووجداني وأستطيع القول إن كلاهما ساعدني في التفوق والنجاح إذا ما كنت بالفعل قد نجحت على الآخر فالفن كان وسيلة جميلة ومتنفسا استطعت من خلاله إخراج ما يعتمل في دواخلي من موهبة، كذلك العمل والدراسة ساعداني كثيرا على التفوق في عالم الفن، أما إذا قلت لي كيف، فأقول لك بكل بساطة لأنني أحببت الجانبين وعشقتهما بصدق لذا بكل بساطة تستطيع أن تناديني بالدكتور راشد أو الفنان راشد وقبل هذا وذاك بالأخ راشد. • من علم النفس إلى عالم الفن ماذا أفادك هذا التنوع؟ الفن وتحديدا الأدوار المركبة في الدراما تحتاج إلى علم النفس وتحتاج كيف يجسد الفنان دورا ما، ذلك لأن الأدوار المعقدة والمركبة يجب أن تدرس من الناحية النفسية قبل الشروع في تجسيدها. وأنا شخصيا أستطيع القول إنني استفدت من دراستي وعملي في العسكرية الكثير من الجدية و «البلاي باك» في عملي في المجال الفني. والذي أعتقده أن الفنان الدارس يستطيع العطاء بشكل أكبر في كل الأدوار وليس فقط الأعمال المركبة مثل الزميل في مصر محيي إسماعيل، وهناك كثيرون غيره ممن تلمح في وجهه خلفية العمل على أو من خلال الجانب النفسي. • «الواصل» هل ارتبط هذا اللقب بك؟ لكل فنان محبون وهؤلاء المحبون يطلقون عليه الألقاب والمسميات التي يرون أنه جدير بها وأحيانا كما هي الحال في «الواصل» أحب الناس الشخصية وقدموا له الكثير من الدعم للانطلاق في عوالم الإعلام والذي ساعد على ذلك أن مسلسل «بيني وبينك» حيث كنت أجسد فيه هذه الشخصية كان من أعمال مواسم المشاهدة الكبيرة في أمسيات رمضان، من الطبيعي أن يؤثر هذا الدور في أعماقي ويجعلني أتماهى مع الشخصية بشكل استطعت فيه والحمد لله أن أترك أثرا لدى المشاهد الذي أحبني وأحب الشخصية في السنوات الأخيرة ولكن هناك الكثير من الشخصيات التي تركت أثرا ملموسا في مشواري الفني مثل شخصية «أبو هلال» وغيرها من الشخصيات مما جسدته قبل وبعد، وعني شخصيا أرى أن الفنان إذا ما كان مجسدا لشخصية معينة و«افيه» معين فإنه يجد أن الكل ينتظره في شخصية وكاركتر آخر وهذا ما حدث معي تقريبا بعد هذا العمل. الآن أنا أدرس الكثير من الخيارات التي من الممكن أن تكون إضافة بالنسبة لي. • من الصعب أن تضحك الناس، ما هي مواصفات الكوميدان؟ طبعا من الصعب جدا أن تضحك الناس وفي المقابل من السهل أن تبكيهم في أي عمل فيه ملامسة للوجدان كما هي الحال في الأعمال الهندية واللاتينية والتركية وهذه نقطة للأسف لا يجيد التعامل معها الكثير من الكوميديين بحيث يخلط بين الكوميديا وبين التهريج الذي لا طائل منه، العمل في الكوميديا أصعب منه بكثير في التراجيديا التي قد لا تحتاج الكثير من الجهد والفرز وتقديم نفسك ككوميديان يجعلك متحملا الكثير من المسؤوليات الثقافية والاجتماعية وغيرها، لذا ليس من السهل أن يعتلي أحدهم خشبة المسرح أو يقف أمام الكاميرا ليدعي أنه ممثل كوميدي. وقديما قال أساتذتنا في الفن إن هناك شعرة بسيطة جدا بين الكوميديا والتهريج. أدعي أنني فطنت لهذه النقاط لأسباب كثيرة أولها احترام المشاهد وعدم تسفيه فكره ومستواه الثقافي. • ما أسباب قلة الفنانين الكوميديين في السعودية؟ صحيح وجميل منك أن تفطن لهذه النقطة إذا ما كنت بالفعل تقصد أن الكوميديين الجيدين قليلون جدا على عكس مدعيي الكوميديا في أعمالنا الفنية المحلية فما أن تجد شابا يريد دخول معترك الحياة الفنية وتحديدا الدراما إلا وتجده يقصد الجانب الكوميدي ويريد أن يقول إنني نجم كوميدي بشكل مبكر اعتقادا منه أنه جاهز، وغير ذلك دعني أؤكد لك أنني لست ضد التجارب والمحاولات فكلنا نتاج مثل هذه الحالات ولكن الذي كنت أتمناه دوما أن أحدنا إذا ما فشل في تجاربه إلى الدرجة التي لا يتناسب فيها عطاؤه مع رغباته أي بمعنى أكثر وضوحا إذا ما لم يجد نفسه في التمثيل أو أشار إليه المخرجون أو النقاد بأن يذهب ليبيع خروقه في سوقه ويدع المجال للموهوبين لأن الكوميديا علاج خطير لكل سلبيات الحياة فإذا ما فهم الكوميديان هذا التعريف تجد أنه اختار بشكل جيد المواصلة أو التنحي. • احتكار الشركات الفنية للفنانين هل يخدم الفنان أم لا ؟ بالمطلق لا. ولكن هناك تفاصيل فالنجوم الكبار ذوو التجربة والتاريخ من الصعب عليك كمنتج أن تحتكر نشاطه بشكل عام أما لماذا ؟ فذلك لأنه يحمل طاقة في دواخله وهو في الوقت نفسه متسربل بقاعدة جماهيرية كبيرة تطالبه كل يوم بالجديد الذي سيجده بلا شك في الكثير من شركات الإنتاج الفني سواء كانت عامة أم خاصة، بينما أرى أن الاحتكار في بعض الأحيان يفيد الشاب المقبل حاملا موهبة جيدة ويحتاج إلى فرصة العمل المتوالي في شركة ما أرى أن تكليفه أو إناطة الكثير من الأدوار له في هذه الشركة حتى لو كانت ثانوية ستساعده في الحضور والتواجد بشكل ربما يساعده على تحقيق أمانيه. • من وجهة نظر دكتور نفساني هل للفن دور في المعالجة النفسية للمريض؟ طبيعي للفن أدوار اجتماعية فاعلة عديدة فما بالك في هذا الجانب، المهم جدا في حياتنا ألم تسمع أن البقرة عندما تهدأ وتتناغم مع موسيقى تسمعها تدر حليبا بنسبة أكبر، كل شيء يخضع لموازين الجانب النفسي والعلاج نفسيا في الفن وفي غيره لم يعد نافلة القول أو الفعل، إنه ضرورة واجبة لأنك عندما تعرف موطن الاعتلال وتستخدم ما أوتيت من علم نفس فإنك تختصر على نفسك وعلى المريض الكثير من المسافات الزمنية، وأنا شخصيا خصصت الكثير من سني عمري لهذا الجانب الذي أعتبره أكاديميا بمعنى الكلمة. • متى يحترف الفنان السعودي الفن ومتى يبقى هاويا؟ عندما تسأل كثيرين بهذا الخصوص يقولون إنه يجب علينا الاحتراف والتفرغ للفن وهذا ليس بخطأ ولكن الأصح أننا نعطي بشكل أفضل عندما نتعامل معه كحب وهواية وعدم احتراف فالفن يتناسب مع طبيعة مجتمعنا وسيرنا الحياتية أن يكون هواية شريطة أن نعطيه ما يحتاجه من وقت وجهد وبحث للنجاح. وفي الوقت نفسه ليس خطأ أن يتفرغ أحدنا للفن، وهذا ما حدث مع بعض إخوتنا وزملائنا في الحياة الفنية السعودية لكن ما أراه أن معظم نجوم الفن في الساحة المحلية حتى وإن بدا لك أنهم متفرغون فلا تصدق كلهم يعمل بشكل رسمي أو غير رسمي لأننا في بلادنا يجب أن نعمل ويجب أن يكون العمل منطلقنا للحياة الاجتماعية والاقتصادية السليمة فللعمل أهميته القصوى، واعتبار الأنشطة الفنية والثقافية وأحيانا الرياضية نشاطا تحكمه الهواية وعدم التفرغ. • كيف هي حال المسرح في المملكة ؟ إلى الآن المسرح لدينا لم يصل للمستوى الذي نأمله نحن المسرحيون وأرى أن اجتهاداتنا الأولى والجيل الذي سبقنا جيل الرواد كانت جيدة وواضحة المعالم وأرجو أن يوفق الزملاء في الساحة الذين يمثلون مسرحنا اليوم في الأسابيع والأيام الثقافية في الخارج بتقديم مسرح بهوية سعودية سعودية. • لماذا ينصب تركيز الفنان السعودي على المسلسلات فقط؟ لا أوافقك القول، فالفنان السعودي موجود في المسرح متى ما أتيح له وموجود في السينما متى ما أوتيح له، وأوافقك القول إنه موجود أكثر في التلفزيون. ذلك كون التلفزيون مطلبا اجتماعيا ومهما لكل بيت وكل مكان وتجد المنتجين يتهافتون على العمل التلفزيوني لذا يجد الممثل مجال التلفزيون والعمل فيه بشكل أوضح ومتاح في كل وقت وحين. • يتساءل القارئ عن الفنان إلى أي مدى تشبهه الشخصية التي يجسدها ؟ صدق .. حتى أنا أحيانا أسأل نفسي هل يا ترى هذا الدور الذي قدمته أو أنا بصدد تقديمه الآن يشبهني في شيء. ومن الطبيعي أن يبحث الفنان في الدور وهو مكتوب قبل أن يجسده لكي يعرف هل هو يمثل حقيقة واضحة وجلية في دواخله أم أنه يمثل فقط. • يعاب على الفنان السعودي المزاجية ما رأيك في ذلك ؟ الفن يتطلب الالتزام وعدم المزاجية لارتباط حركته بمجاميع وليس بشكل فردي فهو مرتبط مع مخرج ونجوم وأوقات تصوير وأماكن تصوير. هذا بالنسبة للتمثيل، ولكن توجد هناك فنون أخرى فردية يكون المزاج فيها سيدا مطاعا مثل الفن التشكيلي الموسيقى والغناء في حالة غير الالتزام بعمل جماعي وزملاء. • نقرأ عن المسرحيات السعودية في الصحف ولا نراها في التلفزيون ما أسباب ذلك؟ لأن معظم ما يقدم من عمل مسرحي سعودي يقدم في أنشطتنا السعودية في الخارج وقليلا ما تقدم مسرحية في الداخل وذلك لندرة المهرجانات المسرحية لدينا وغيرها، ويحدث أحيانا أن نرى مسرحيات بشكل ملفت وقوي في مناسباتنا النادرة هذه كتلك التي عشناها في مهرجان سوق عكاظ الأخير منذ أشهر. • نرى أن أنجح الأعمال الخليجية والعربية من إنتاج سعودي ولكن أين هم عن الأعمال السعودية؟ من تقصد بهم؟ نحن في غنى اليوم من أن يعرض أحد أعمالنا، كنا بالأمس نحتاج عندما كانت التلفزيونات العربية دكاكين لا يشاهدها إلا جمهور البلد نفسه أما اليوم فبإمكان أي منا أن يشاهد العالم كله وقنوات العالم في لحظة واحدة هذه ليست مشكلة، ولكن المشكلة التي أعتقد أن حلها واضح وجلي هي كيف يحترم المنتج السعودي الكوادر الموهوبة في الساحة المحلية ويقدمها جنبا إلى جنب ورأسا برأس إلى جانب نجوم العرب الكبار. • الزوجة والغيرة في حياة الفن كيف هي في حياتك؟ دون الغيرة، ليس هناك حب ومن الطبيعي أن تتبهر الحياة الزوجية بشيء من الغيرة ولكن عقليات الكبار لا يفسدها العمل الفني فهو نشاط فني وعملي شأنه شأن العمل في أي من المجالات الحياتية ولكن هناك بعض التجاوزات في الحياة الفنية التي تظل في واقعها من مهام العمل الفني غير المؤثر على الانضباط. • الشائعات والفنان كيف تتعامل معها؟ أبرد ما عندي! بنفسك وصفتها بالشائعات الأمر الذي يعني أنها في الغالب تكون ملفقة وغير صحيحة، تخيل أنني أشغل نفسي في هذا أو في هكذا قضايا عندها ستجدني لا أستطيع العمل وأنا مركز لا في عملي الأصلي ولا في الحياة الفنية. • متى سوف نرى إعلانات المسرحيات السعودية على لوحات الإعلانات ؟ التجارب التي تمت إلى الآن في المسرح المحلي تنبئ أن ذلك سيكون قريبا. • ما الشخصية التي نقلتك إلى عالم النجومية؟ من الممكن اعتبار شخصية «أبو هلال» وكذلك «الواصل» هي التي ساعدتني في الوصول إلى الناس بشكل فيه صدق أكثر. • سلسلات الأجزاء يقال إنها إفلاس المنتجين والفنانين ما رأيك في ذلك؟ لا، ليس بهذا الشكل فلديك في الغرب مثلا مسلسلات ظلت تعمل لسنوات طوال مثل «الجنس والمدينة» و «المتزوجات» و «المفقود» وغيرها الكثير. • خمس رسائل لمن توجهها؟ الرسالة الأولى: لخادم الحرمين الشريفين وردة بيضاء كبياض قلبك وبياض المسافة بينك وبين الوطن وبيننا. الرسالة الثانية: لأبناء المملكة.. هذا الوطن أجمل وأغلى ما نملك، ينبغي علينا وعليكم المحافظة عليه والعيش تحت خيمته التي أفاء الله لنا بها ظلالا وخيرا يحسدنا عليه الكثيرون. الرسالة الثالثة: وردة ثالثة للوطن.. تحملنا وتحمل كل ما يصدر منا إذا نحن لم نرعاك حق رعايتك. الرسالة الرابعة: لجمهوري العزيز دوما أفكر في الكيفية والطريقة التي أسعدكم بها من خلال الفن.. أحتاج إلى معيار يجعلني لا أقدم إلا الأفضل. الرسالة الخامسة: لزملائي في الحياة الفنية، الفن وأدواته أمانة بين أيدينا نحن الفنانين فاعرفوا من أين وكيف نعمل.