آخر مرة شوهد فيها هذا الكتاب كانت قبل حوالي تسع سنوات، ومنذ ذلك الوقت ربما لم تظهر للكتاب طبعة رديفة أخرى، والسبب أن هذا الكتاب يتحدث عن بديهة باتت معروفة لجميع الباحثين عن التطبيقات الديمقراطية. ينتمي هذا الكتاب إلى حقل العلوم السياسية؛ ولكنه يختلف عن كتب أخرى بتناولات النظرية الديمقراطية في كونه لا يثير جدلا وإنما يقرر عددا غير قليل من المسلمات النظرية بشأن تطبيقات الموقف الديمقراطي في سويسرا. صدر هذا الكتاب في أكثر من مائتي صفحة ومن خلاله يقرر المؤلف أن الحرب الباردة قد انتهت وماتت الشيوعية ومنذ أوائل عقود التسعينيات الميلادية فالديمقراطية في صعود متواتر في أرجاء العالم؛ ولكن هناك دولة واحدة تمارس الديمقراطية المباشرة. هنا فقط يطلق المؤلف على كتابه عنوان الديمقراطية المباشرة، والتي يجري من خلال نظمها المتعددة تمرير قوانين دستورية تشيع العدل وتضمن للحراك الاجتماعي استمرارية سلسة من غير تعقيدات بيروقراطية أو صدامات غير حضارية، هذا كتاب يعلن من خلاله المؤلف جريجوري فوسيدال عن دولة مثالية استطاعت من خلال السياسة بوصفها علم الممكن صناعة نسيج اجتماعي رائع وراقٍ في الوقت نفسه، وذلك من خلال أخذ الفكرة الديمقراطية إلى أبعد مدى ممكن لها بما في ذلك كيف أن المجتمع السويسري استطاع فض النزاع بين طبقة النخبة من المتنورين وبين أصحاب النفوذ المالي داخل المجتمعات الأوروبية، ومن هنا يحث المؤلف دولا أوروبية على فض النزاع بين هذين القطبين قدر الإمكان والإفادة من النموذج السويسري بتطبيقاته من الداخل. ينتقد المؤلف بعض الصيغ الديمقراطية السائدة في المجتمعات الغربية قائلا: لقد باتت الشعوب وللأسف الشديد طبعا لا تصنع سوى عدد قليل من القرارات المتعلقة بالسياسة الاقتصادية أو الاجتماعية لأنفسهم، فهم يستأجرون الخبراء وينتخبون ممثليهم لصناعة الكثير من هذه القرارات، وفي كل سنتين إلى أربع إلى ست سنوات فهم يقيمون حملات انتخابية لمراجعة حوالي عشرة آلاف قرار من قرارات الماضي، وهذه القرارات أوجدها قادة يغادرون مقاعدهم ويجرون تصويتا لصالح واحد أو اثنين من البدائل التي سوف تتعامل مع الحزم المقبلة لآلاف القرارات، وللواقع يستخدم السويسريون بعض هذه الأدوات أو التنظيمات؛ ولكن ليس جميعها، ووجه الفرق والاختلاف بين السويسريين وغيرهم من حكومات الغرب أن السويسريين أفادوا كثيرا من الديمقراطية؛ لأنهم تعاملوا معها بشفافية قصوى ونزاهة؛ وحملوا النظرية إلى أبعد تطبيق إيجابي لها.. فالناخب السويسري تعود على صناعة عشرات ومئات القرارات بنفسه وهو لا يعتمد مثل المواطن الغربي الآخر على إيجاد خبراء لصناعة القرار. ومن هنا فالروح المختلفة تنعش الديمقراطية السويسرية وتعطي نتائج مختلفة. وتلك هي الديمقراطية الفاعلة والبناءة في آن واحد وهي تختلف روحا واداء وثمارا أيضا عن النظم الديمقراطية بتطبيقاتها الإجرائية. - Direct democracy in Switzerland Gregory A. Fossedal