يتحمل الحديث حول عودة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى المملكة بعدين مهمين الأول هو البعد العاطفي، ويعنى به الشعب السعودي بشكل كبير مع عاطفة الشعوب العربية التي خبر أبناؤها مواقف قومية في أكثر من مفصل ومناسبة. والبعد الثاني يتعلق بالشأن السياسي للمنطقة وما يجري فيها، حيث حمل العام 2011 معه متغيرات غير متوقعة بدأت بتونس وامتدت إلى مصر وهي تستعر اليوم في ليبيا، كما تشهد فصولا في اليمن والبحرين والجزائر وغيرها. وأهمية عودة خادم الحرمين إلى المملكة بعد غياب لنحو عشرة أسابيع تأتي لكون المنطقة في حاجة لبعض التوازن، وفي حاجة لمن يستطيع التعاطي مع هذا الطوفان السياسي الذي يعبر عن رغبة الشعوب في التغيير، إلا أنه يهدد في ذات الوقت بإدخال المنطقة إلى المجهول إن لم تكن هناك قوى واعية تمنع الانكشاف المطلق للوضع العربي مع احتمالات الفراغ في أي دولة عربية، أو تحول حركة الشارع إلى نقطة ضعف تستغلها القوى الخارجية لتنفيذ مخططات وتمرير سياسات. ليس معلوما بعد ما إذا كانت القمة العربية ستشهد انعقادها المقرر الشهر المقبل وفق الجدول، إلا أن المطلوب هو عدم الركون إلى تاريخ ورغبة البعض في انعقاد تلك القمة من عدمه. وقد يكون للمملكة وخادم الحرمين دور استثنائي بالتعاون مع بعض الأطراف العربية سعيا لاستدراك الوضع العربي وتحديد نقاط الضعف والقوة وتثبيت مصالح ومطالب الشعوب المحقة بما لا يخل بأمن الدول. لا شك أن الفترة التي غاب فيها الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن المملكة جسدا لم تمنعه أداء الدور وهو الذي كان يباشر القضايا المهمة، ويوجه ويشرف كما حصل في الملف اللبناني، وكذلك متابعته وتوجيهاته فيما يخص سيول جدة. الحديث عن عرس بعودة خادم الحرمين يوازيه إحساس بحجم المسؤولية التي يتجشم عناء تحملها وهو يمثل في مكانته زعيم الدولة العربية الأكبر اقتصادا والأهم موقعا، والدولة التي تشكل قلب العالم الإسلامي. يرى بعض المراقبين أن المملكة تشكل الضامن لأمن واستقرار دول الخليج أولا، ومن ثم دول المحيط العربي. من هنا يدرك المسؤول السعودي ما يعول عليه في هذا المرحلة الحساسة والحرجة، ومن هنا يتفهم المسؤول والمواطن أهمية أن يكون الملك عبدالله حاضرا جسدا وفكرا يشرف ويتابع ويبادر. وما تعيش المنطقة اليوم في عرف التاريخ حدث استثنائي لا يقل أهمية عن مفاصل كقيام أو انهيار الدولة الأموية أو العباسية وغيرها من المحطات البارزة. استأثرت حركة الشارع العربي بأحاديث السياسة والإعلام على مستوى العالم، إلا أن ذلك الاهتمام مع غياب الرؤية وحالة السكوت عن مآلات المنطقة والعالم ما بعد الحدث من قبل دوائر الغرب وارتباك المنظمات الدولية كل ذلك يتطلب من قيادات المنطقة المتوازنة البحث في المستقبل وتأمين خطوط الاستقرار والأمن الاقتصادي، وليس هناك غير المملكة بالتعاون مع دول المنطقة الفاعلة، يمكنها التحرك في هذا الظرف الضاغط، وعلى هذا الأساس تعتبر عودة الملك عبدالله حدثا مهما له دلالاته في السياسة، كما أن له دلالات في العاطفة لرجل عرف بمواقفه القومية والإنسانية وصدقه وصفاء سريرته وحبه أمته العربية وسعيه لخيرها وخير شعوبها.