بعد نجاح الثورتين الشعبية التونسية والمصرية السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا نجحت نواة الثورة في البلدين خلال نصف شهر في تحقيق ما لم تستطع تحقيقه الجماعات الإسلامية في تونس ومصر لأكثر من نصف قرن؟!، وبالنظر لمواقع الجماعات الإرهابية على الإنترنت ومقارنتها بمواقع شباب الثورتين يمكن معرفة الجواب، فمواقع شباب الثورتين كانت همومها معالجة علل مجتمعاتهم من فساد وفقر وسوء الخدمات وانتقاص الحقوق وتجاوزات الجهات الأمنية وقمع الحريات وشعور المواطن بعدم الكرامة في وطنه، وتتضامن مع الضحايا وتشجع على العمل التطوعي لخدمة المجتمع، بينما مواقع الجماعات الإسلامية العنفية كلها تنظير للإرهاب «استعمال العنف ضد المدنيين لأغراض سياسية عقائدية» والتكفير والشماتة بمن تقع عليه مصيبة بشرية أو طبيعية باعتباره تعرض للعقوبة الإلهية لأنه ليس مؤيدا للجماعة، وليس هناك اهتمام بحال الناس الواقعي، ولهذا الشعب تضامن مع شباب الإنترنت الذي شكل نواة الثورة، بينما الشعب يتخوف من شباب الإرهاب ولا يريد التضامن معهم، فشباب الإرهاب استعدى على نفسه ليس فقط العالم الخارجي بل حتى بني أمته بسبب وسائلهم وتحجر منظورهم ورؤيتهم المظلمة للطموح المستقبلي فيما لو ساد اتجاههم وهو باختصار مقاتلة كل العالم في حروب لا تنتهي وإغلاق مجتمعاتهم، بينما شباب الثورة كان لديهم طموح النهضة الشاملة لمجتمعاتهم، ولما عرف مهندس الثورة المصرية ووجهها الإعلامي «وائل غنيم» بسقوط ضحايا في المظاهرات ورأى صورهم انهار باكيا ولم يستطع إكمال البرنامج التلفزيوني الذي كان فيه، وفي مقابلته مع قناة «السي. إن. إن» ما إن سأله المذيع عن الضحايا حتى أيضا غصته الدموع عليهم، بينما لا نرى من منسوبي الجماعات الإسلامية تعاطفا مماثلا مع ضحايا عملياتهم بل هناك فرح بكثرة الضحايا المدنيين واستهداف متعمد لهم، بينما غنيم كان أسفه لسقوط ضحايا من رجال الأمن لا يقل عن أسفه لضحايا المتظاهرين، فهم منذ البداية قرروا أن يكون تحركهم مماثلا لمبدأ تحرك غاندي ومارتن لوثر كينج أي يعتمد على قوة الضغط المعنوي السلمي اللاعنفي والأعزل لتحقيق مطالب حقوقية ولم يكن في البداية لتحركهم السقف الذي تطورت إليه لاحقا بعد استعمال العنف القاتل ضد المتظاهرين، وقال غنيم إنه عند الإفراج عنه ورفع العصابة عن عينيه التي بقيت طوال فترة اعتقاله لأسبوعين قام بمعانقة العساكر الذين ضربوه وشتموه وتصافى معهم ولما تحدث في الإعلام عن ضربهم له وصل من تسامحه أنه أعطى لهم العذر بأنهم كانوا يحسبون بأن له أهدافا معادية لمصالح البلد وأبدى التقدير لوطنية من حققوا معه، وأحد رفاقه شاب اسمه «جواد نابلسي» وأصيب بطلق في عينه استقر في دماغه قال لرجال الأمن الذين كانوا يضربونه ورفاقه ويطلقون عليهم الرصاص بأنه يحبهم ولا يريد أذيتهم وما خرج للتظاهر إلا لأجلهم فهو يملك عملا خاصا ومن أسرة ثرية ودرس في كندا ومطلبه تحسين أوضاع أمثالهم من ذوي الدخل المتدني، ولما حاصر الناس جماعة من الشرطة وكادوا يفتكون بهم أعطاهم ملابس مدنية وساعدهم على الهرب، ثم وبعد إصابته شكل مع رفاقه لجنة لتوفير العلاج للمصابين، وقبل حركة التظاهر كانت له نشاطات تطوعية في مساعدة الفقراء، وقبل حركة التظاهرات كان لغنيم مشروع وطني لتنظيف مواقع التلوث ومكبات النفايات غير الصحية في مصر التي تسبب الأمراض للفقراء رغم أنه يعيش في الإمارات، وحاليا أعلن اعتزاله لأي مسعى في السلطة لأنها لم تكن مطمعا بالنسبة له وسيتابع عمله كمدير في شركة جوجل العالمية، وبمثل هذه الأخلاق والتوجهات استدعى هؤلاء الشباب تضامن العالم بأسره معهم، رغم أن العالم كان يرى أن ملايين المعتصمين في ميدان التحرير مسلمون ويصلون على الهواء مباشرة وفي فرحهم وترحهم يكبرون باسم الله، وبينما جمل شباب الثورة صورة بلدهم الحضارية بسلوكهم الراقي الذي وصل لدرجة تنظيف ميادين ثورتهم، ماذا يرى العالم من آثار شباب الإرهاب سوى آثار الدمار والأشلاء المتناثرة ليخلفوا فوقها الشعور بالإحباط لتدهور حال الأمة، فالأمن والأمان من أساسيات الحد الأدنى للمعيشة الكريمة وحتى ذلك الحد الأدنى حرموا مجتمعاتهم منه سواء بشكل مباشر بالتفجيرات أو غير مباشر عبر جعل كل مسلم متهما حتى يثبت براءته، وصار إرهابهم مبررا تم به تبرير احتلال دولتين إسلاميتين نتج عنه مقتل حوالي مليون ونصف مسلم في البلدين. نهضة الأمم لها مقومات مادية ومعنوية، والجماعات الإسلامية العنفية لم تقدم أيا منها، وتنظيرهم العقائدي لم ينجح في حشد مجتمعاتهم، بينما استطاع شباب الثورة حشد حتى المحافظين، ورأينا في ميدان التحرير الكثير من الشباب الملتحين والنساء المنقبات. فدروس الثورتين توجب على الجماعات الإسلامية إجراء مراجعات جذرية ليس فقط لاستحلالها الإرهاب وفق المبدأ الانتهازي بأن الغاية تبرر الوسيلة، بل لمبدأ التكتل أصلا في جماعات لها طابع سري فئوي إقصائي منعزل عن بقية جسم المجتمع وله موقف عدائي من العالم المعاصر. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 217 مسافة ثم الرسالة