يتجذر سؤال محوري في الذهنية المصرية الشابة التي استقدحت ثورتها من معاناتها، سؤال بات مطروحا في مصر حول كيفية تجنب البلاد حكما شموليا جديدا؟ ولكن الإجابات لا تزال ضبابية في ظل مرحلة انتقالية حرجة تثير قلقا ومخاوف من استمرار ركائز النظام القديم الذي أطاحت «ثورة 25 يناير» برموزه. ورغم إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى زمام الأمور بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، اعتزامه تسليم السلطة للمدنيين في غضون ستة أشهر تجري خلالها تعديلات دستورية، ثم انتخابات تشريعية تعقبها انتخابات رئاسية، إلا أن هذا الجدول الزمني لم يرض الجميع ولم يجب على كل التساؤلات. فالتعديلات المعلن عنها حتى الآن في الدستور لا تشمل صلاحيات رئيس الجمهورية التي ظلت المعارضة تصفها بأنها «شبه مطلقة»، وإنما تتركز أساسا على شروط الترشيح للرئاسة والحد الأقصى للبقاء في هذا المنصب إضافة إلى طريقة الإشراف على الانتخابات. ولم يتضح بعد أن كانت الانتخابات ستجرى في ظل قانون الأحزاب الراهن أم أنه سيتم تعديله للسماح للقوى التي كانت محظورة، وتلك البادئة في تنظيم صفوفها في أحزاب تعبر عنها، وخصوصا الشباب الذين أطلقوا الدعوة إلى ثورة 25 يناير والذين تتنوع توجهاتهم السياسية ما بين اليسار إلى اليمين مرورا بالليبراليين والاشتراكيين. وفضلا عن ذلك، فإن «ائتلاف شباب الثورة» الذي التقى ممثلوه مع قيادات من المجلس الأعلى للقوات المسلحة أخيرا، طالب تغيير شكل النظام السياسي في البلاد من نظام رئاسي إلى نظام برلماني، وهو مطلب يؤيده العديدون سواء من السياسيين أو خبراء القانون الدستوري. وعبر الخبير القانوني أحمد كمال أبو المجد الذي يحظى بتقدير واسع في مصر، عن ذلك مؤكدا في مقابلة تلفزيونية «أن الانتقال إلى النظام البرلماني ضرورة للتخلص من نظام الحاكم المطلق الذي ساد طويلا». ويقول سياسيون ومحللون إن الإسراع بإجراء الانتخابات التشريعية خلال ثلاثة شهور، وفقا للجدول الزمني الذي وضعه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، قد يفتح الباب أمام عودة برلمان يسيطر عليه النظام السابق. وكان المعارض محمد البرادعي دعا إلى مشاركة مدنيين مع الجيش فورا في إدارة المرحلة الانتقالية، مطالبا بأن تكون هذه المرحلة أطول زمنيا حتى لا تلقى البلاد «في أحضان النظام القديم». وقال في بيان إنه «لطمأنة الشعب على مستقبله ومعالجة القلق العميق الذى ينتاب الأمة من غياب الشفافية في المرحلة الانتقالية والوصول بالبلاد لبر الأمان، يتعين على المجلس الأعلى للقوات المسلحة تشكيل مجلس رئاسي مؤقت تشارك فيه شخصيات مدنية تتوافق عليها فئات الشعب ليتولى مهام رئيس الجمهورية أثناء المرحلة الانتقالية وذلك تحقيقا لهدف الثورة باستحداث نظام سياسي ينبني على المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار». وأكد البرادعي أن «قصر الفترة الانتقالية على عدة شهور يهدد بالقاء البلاد في أحضان قوى النظام القديم وإطالة الفترة الانتقالية دون مشاركة شعبية يهدد بالقائها مرة أخرى في احضان الديكتاتورية». ويعتبر محللون وسياسيون أنه إذا أجريت الانتخابات التشريعية في غضون ثلاثة شهور ستكون في صالح أقطاب من النظام القديم الذين ما زالوا يسيطرون على «الماكينة الانتخابية» بالاشتراك مع جماعة الإخوان وهي قوة المعارضة المنظمة في الوقت الراهن. بل إن البعض يذهب أبعد من ذلك، ويعتقد أن ثمة صفقة أبرمت بالفعل بين القوات المسلحة وجماعة الإخوان حول نوع من تقاسم السلطة خلال المرحلة المقبلة. ويقول الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عماد جاد «ما حصل حتى الآن هو تنحي رأس النظام والغاء سيناريو التوريث، ولكن النظام ما زال قائما والدليل البارز على ذلك عناصر قديمة لم تزل ما زال موجودة». ويعتقد جاد أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة «يتعجل الدفع بمرشح معين للرئاسة معتمدا على صفقة مع جماعة الإخوان تقضي بحصولهم على حصة كبيرة في البرلمان مقابل دعم هذا المرشح»، مشيرا في هذا الصدد إلى أن الإخوان هي القوة السياسية الوحيدة الممثلة في لجنة تعديل الدستور التي شكلها الجيش. وأعلنت جماعة الإخوان المسلمين أكثر من مرة خلال الأيام الأخيرة أنها لن تتقدم بمرشح لرئاسة الجمهورية المقبلة. وكان رئيس حكومة تسيير الأعمال أحمد شفيق سئل في مؤتمر صحافي عن الوضع السياسي لعمر سليمان، فأجاب أن «المجلس العسكري هو الذي سيحدد دوره خلال المرحلة المقبلة». غير أن جاد يرى أن «هذه الصفقة لن تمر، لأن الإخوان لن ينالوا في أي انتخابات تشريعية مقبلة أكثر من 15 في المائة كما أن أي انتخابات رئاسية نزيهة لن ينجح فيها سليمان، خصوصا أن (الأمين العام للجامعة العربية) عمرو موسى قد يكون في هذه الحالة مرشحا أمامه، وهو يتمتع بشعبية أكبر بكثير». ويؤيد استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى كامل السيد هذا التحليل. ويقول «قد يكون الإخوان أقوى جماعات المعارضة المنظمة، ولكن الثورة أثبتت أن المعادلة السياسية في مصر مختلفة».