سعت القوات المسلحة المصرية إلى طمأنة دعاة الإصلاح بأن الجيش لن يرشّح أياً من قادته في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وقال مسؤول كبير في الجيش المصري أمس إن الجيش لن يتقدم بمرشح لانتخابات الرئاسة المقبلة بعد تنحي الرئيس حسني مبارك، مكرراً المعنى ذاته بالقول: «لن يكون هناك مرشح للرئاسة من المؤسسة العسكرية»، فيما صرح مصدر مسؤول بأن «دم شهداء ثورة 25 يناير لن يضيع هباء، وسيتم فتح باب التحقيق بكل دقة وشفافية في أسباب وملابسات واقعة الأربعاء 2 فبراير (المعروفة ب «معركة الجمل») واتخاذ كل الإجراءات القانونية لمحاسبة المسؤولين عنها»، في إشارة إلى هجوم مناصري الرئيس مبارك على المحتجين في ميدان التحرير وهم يمتطون الجمال والأحصنة. ويحتشد اليوم الآلاف في ميدان التحرير مجدداً تلبية لدعوة من شباب 25 يناير للاحتفال برحيل الرئيس السابق وأيضاً من أجل الضغط على السلطات الحاكمة في البلاد لتسريع وتيرة الإصلاحات. وسيكون حجم الحشد في «جمعة الاحتفال» اختباراً لمدى قبول الشارع المصري بما تم إنجازه حتى الآن، في وقت دعا شباب آخرون إلى التجمع في ميدان مصطفى محمود في ما أسموه «جمعة العرفان» للتعبير عن تقديرهم لشخص الرئيس السابق وإن كانوا يؤيدون تنحيه. في غضون ذلك، تعهدت اللجنة الدستورية التي كلفها المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمناقشة التعديلات الدستورية المطلوبة بأن تأتي هذه التعديلات على نحو «يضمن نزاهة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية»، فيما دعا المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي إلى «مشاركة مدنيين مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فوراً في إدارة المرحلة الانتقالية». وعلى صعيد التحقيقات التي تجريها السلطات القضائية في ما يخص وقائع الفساد، أيدت محكمة جنايات القاهرة قرار النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود التحفظ على أموال وزير الداخلية السابق حبيب العادلي وأسرته بعد أن أكدت النيابة وجود دلائل على ارتكابه جريمة غسل وتبييض أموال متحصلة من جرائم الرشوة والتربح. كما طلب جهاز الكسب غير المشروع التابع لوزارة العدل من مختلف الأجهزة الرقابية بالدولة موافاته بما لديها من معلومات وما تسفر عنه التحريات حول ثروات جميع الوزراء السابقين، وبعض أعضاء مجلسي الشعب والشورى (البرلمان) وعدد من رؤساء تحرير الصحف القومية (الحكومية). وخفت حدة الاحتجاجات الفئوية أمس وإن تواصلت في بعض القطاعات خصوصاً هيئة قناة السويس ووصلت إلى موظفي النيابات. ويفترض أن يختبر الأسبوع المقبل مدى استجابة الجماهير لنداءات الجيش المتكررة الانتظام في العمل وعدم رفع المطالب الفئوية «المشروعة» في هذه المرحلة. وأفيد بأن العالم الإسلامي البارز يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سيلقي خطبة الجمعة في ميدان التحرير اليوم. وقال عضو ائتلاف «شباب 25 يناير» باسم فتحي ل «الحياة» إن «ثورة الشباب مستمرة ولم تتوقف، الاعتصامات فقط توقفت لكن مطالبنا ما زالت مرفوعة وأولها تشكيل حكومة تكنوقراط تكون بمثابة حكومة إنقاذ وطني بشكل سريع». وأضاف: «سنحتشد غداً (اليوم) مجدداً في ميدان التحرير وكل جمعة سنحتشد من أجل رصد تنفيذ مطالبنا، هذا الحشد السلمي سيكون ضاغطاً في اتجاه تنفيذ مطالبنا»، موضحاً: «ما زال البعض على عقلية النظام السابق ويسعى إلى الالتفاف على المجلس العسكري وتصدر الواجهة مجدداً». وأشار إلى أن من بين مطالبهم «تعيين حكومة جديدة لا تضم أياً من رموز الحزب الوطني وليس ضرورياً أن يرأسها الفريق أحمد شفيق، وكذلك إلغاء قانون الطوارئ فوراً وإطلاق المعتقلين»، كما طالب فتحي باعتبار الدستور الحالي والتعديلات التي ستجرى عليه «دستوراً موقتاً» حتى يتم تشكيل لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد. في غضون ذلك، أكدت الجنة الدستورية التي يرأسها نائب رئيس مجلس الدولة السابق المستشار طارق البشري وتضم 9 من خبراء القانون ومستشاري المحكمة الدستورية العليا أن «التعديلات التي ستجريها اللجنة على مواد الدستور ستكون ضامنة لنزاهة العملية الانتخابية سواء أكانت انتخابات رئاسية أو انتخابات برلمانية بما يضمن تحقيق حكم ديموقراطي سليم». وقال البشري إن «اللجنة لم تنته حتى الآن من حصر المواد المكملة للدستور التي سيجرى تعديلها، إضافة إلى المواد الست المقرر تعديلها». وحددت اللجنة ست مواد لتعديلها، هي: 76 المتعلقة بشروط الترشيح للانتخابات الرئاسية، و 77 المتعلقة بمدة تولي رئيس الجمهورية لمهمات الرئاسة، و88 المتعلقة بالإشراف القضائي على الانتخابات، والمادة 93 المتعلقة بالفصل في صحة العضوية بمجلس الشعب، والمادة 189 المتعلقة بآليات تعديل الدستور إلى جانب المادة 179 المقترح إلغاؤها من مواد الدستور بصورة كلية. وطالبت لجنة من كبار القضاة الحاليين والسابقين وأساتذة القانون والمحامين لجنة تعديل الدستور بأن تضيف إلى الأحكام الانتقالية للدستور نصاً يفيد بأن أحكام هذا الدستور ستظل نافذة إلى ما بعد انتخابات رئيس الجمهورية المقبلة، ليجرى بعد الانتخاب تشكيل جمعية وطنية لوضع دستور جديد خلال 6 أشهر. جاء ذلك في بيان وقعت عليه 20 شخصية قضائية وقانونية، وأشار الموقعون إلى أن هذا الحكم الانتقالي في صلب الدستور هو وحده الذي يقدم ضماناً دستورياً على ألا يأتي رئيس جديد للبلاد يمارس على مصر وشعبها نفس السلطات المطلقة التي يتيحها الدستور القائم، والتي كانت سبباً مباشراً في ما آلت إليه الأمور، مطالبين بضمانة دستورية لاستمرار التغيير الدستوري. وأبدى المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة تحفظه على خلو اللجنة الدستورية ممن يمثل السلطة القضائية «باعتبار أن القضاة أقدر الناس على أداء ما يسند إليهم بإتقان وحياد وموضوعية، بما لهم من خبرات محل تقدير المصريين». ودعا المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي إلى مشاركة مدنيين مع الجيش «فوراً» في إدارة المرحلة الانتقالية، مطالباً بأن تكون هذه المرحلة «أطول زمنياً حتى لا تلقى البلاد في أحضان النظام القديم». وطالب البرادعي، في بيان، المجلس الأعلى للقوات المسلحة ب «تشكيل مجلس رئاسي موقت تشارك فيه شخصيات مدنية تتوافق عليها فئات الشعب ليتولى مهمات رئيس الجمهورية خلال المرحلة الانتقالية»، موضحاً أن «تمثيل المجلس الرئاسي يتشكل من القوى الوطنية في مصر إضافة إلى الجيش من شأنه خلق إطار مؤسسي وديموقراطي يسمح لقوى الشعب بالإعداد الجيد والمتأني لمستقبل مصر خلال المرحلة الانتقالية دون تسرع». واعتبر البرادعي أن «قصر الفترة الانتقالية على شهور عدة (6 أشهر) يهدد بإلقاء البلاد في أحضان قوى النظام القديم، وأن إطالة الفترة الانتقالية دون مشاركة شعبية يهدد بإلقائها مرة أخرى في أحضان الدكتاتورية»، مشدداً على أن المرحلة الانتقالية «تشكل مرحلة حاسمة لتحقيق أهداف الثورة وعدم انحرافها عن مسارها». وأشار إلى أن «إطلاق المجلس العسكري لسلسلة من القرارات التي سيكون لها أثر مهم على مستقبل الحكم في البلاد، أمر يتطلب مشاركة القوى المدنية مع الجيش فوراً في إدارة المرحلة الانتقالية». وأضاف: «لطمأنة الشعب على مستقبله ومعالجة القلق العميق الذي ينتاب الأمة من غياب الشفافية في المرحلة الانتقالية والوصول بالبلاد لبر الأمان، يتعين على المجلس الأعلى للقوات المسلحة تشكيل مجلس رئاسي موقت تشارك فيه شخصيات مدنية تتوافق عليها فئات الشعب ليتولى مهمات رئيس الجمهورية أثناء المرحلة الانتقالية وذلك تحقيقاً لهدف الثورة بإقامة نظام سياسي يقوم على المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار». وحدد البرادعي قرارات عدة وصفها ب «المهمة» قال إنه «يتعين على المجلس الرئاسي الموقت اتخاذها من بينها إصدار إعلان دستوري موقت يحدد الإطار العام للحكم خلال المرحلة الانتقالية بما في ذلك مباشرة الحقوق السياسية للمواطنين وذلك لحين صياغة دستور جديد من قبل هيئة منتخبة ليحل محل الدستور الحالي والذي سقط بسقوط النظام، وتشكيل حكومة تسيير أعمال خلال المرحلة الانتقالية تضم كفاءات مشهوداً لها بالنزاهة وتمثل الوجه الجديد لمصر، تحل محل حكومة النظام السابق التي فقدت شرعيتها، وإلغاء قانون الطوارئ وما يرتبط به من قوانين وأحكام استثنائية، وإطلاق حرية تكوين الأحزاب وإصدار الصحف وغيرها من وسائل الإعلام، إضافة إلى تنظيم الفترة الانتقالية لإتاحة الفرصة لقوى الشعب لتكوين أحزاب جديدة، ولتمكن الأحزاب القائمة من إعادة تنظيم نفسها والتواصل مع الشعب في إطار ديموقراطي سليم، ووضع خطة زمنية للمرحلة الانتقالية بالتوافق بين القوى الوطنية وبدء حوار جاد ومتواصل بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وكل التيارات الوطنية من دون استثناء». واعتبر البرادعي في بيانه أن «تشكيل مجلس رئاسي يتم تمثيل القوى الوطنية فيه إضافة للقوات المسلحة من شأنه خلق إطار مؤسسي وديموقراطي يسمح لقوى الشعب بالإعداد الجيد والمتأني لمستقبل مصر خلال المرحلة الانتقالية من دون تسرع». وقال وائل غنيم مفجر ثورة 25 يناير، في تعليق على صفحة «كلنا خالد سعيد» على موقع «فايسبوك»: «دورنا أن نستكمل ما بدأناه ونركز في دورنا الحقيقي وهو المساهمة بجزء ولو بسيط في إعادة إعمار بلدنا»، داعياً إلى ضرورة عدم اختزال جهود شباب مصر في أشخاص كان دورهم مثل غيرهم. وتساءل، رداً على انتقادات وجهت لشباب الثورة: «لمصلحة من مهاجمة شباب الثورة الآن؟ بعد إشادة الجميع بها واحتفاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإنجازات الشباب»، موضحاً أن الإجابة بسيطة جداً وهي أن مجموعة من التابعين للنظام القديم التي أصبحت أمام معركة بقاء لأنهم ارتكبوا جرائم في حق شعب مصر ومتخوفون من الحساب». وعلى صعيد الإجراءات التي تتخذها السلطات المصرية لملاحقة الفساد الذي طال شخصيات قريبة من النظام السابق، طالب جهاز الكسب غير المشروع بتقارير حول ثروات عدد من رجال الأعمال وأعضاء مجلس الشعب عن الحزب الوطني. وكان لافتاً وضع 4 من رؤساء تحرير الصحف القومية ضمن اللائحة بهدف بيان ما إن كانت هناك شبهة «تربح» من عدمه. وهم كل من رئيس تحرير جريدة الأهرام أسامة سرايا، ورئيس تحرير جريدة الجمهورية محمد علي إبراهيم، ورئيس تحرير جريدة أخبار اليوم ممتاز القط، ورئيس تحرير صحيفة روز اليوسف عبد الله كمال. وفي مفاجأة، أكد الادعاء المصري وجود أدلة كافية على تورط وزير الداخلية السابق حبيب العادلي في جرائم «تبييض أموال».