عاشت القنوات التلفزيونية، وخاصة الإخبارية، خلال الأسابيع الماضية فترة عصيبة تزامنت مع الأحداث المتواصلة والمؤثرة التي شهدتها مصر، وواكب ذلك كله نسب مشاهدة عالية لبث إخباري متواصل وتغطيات من كل مكان على مدار الساعة. التعليقات ووجهات النظر سمعناها من مواطنين ومسؤولين من داخل مصر ومن خارجها، والكل كان يتنافس على استقطاب الأسماء اللامعة والمشهورة في مجال السياسة والتحليل، وخاصة ممن كانت له ارتباطات سابقة بالساحة السياسية في مصر. أحداث مصر، وتداعيات الأزمة فيها قدمت للقنوات التلفزيونية وعلى طبق من ذهب، دروسا ينبغي الاستفادة من مخرجاتها لرسم سياسة وآلية فعالة للتعامل مع الأحداث الكبيرة مما له سمة الاستمرار والتأثير، والبعد الدولي. ومن واقع التعامل الإعلامي والإخباري مع هذه الأحداث ارتسمت أمام المسؤولين التنفيذيين، والعاملين في غرف الأخبار صورة واضحة عن الاحتياجات، وما ينبغي أن تكون عليه التغطية المناسبة والمنافسة للأحداث الكبيرة في ضوء الأمور التالية: 1 توفير قدر أكبر من المراسلين المؤهلين في العواصم وأماكن الأحداث الساخنة، مع القدرة على تحريكهم من مكان لآخر في وقت سريع، وفقا لتطورات الأحداث وتلاحقاتها. 2 توفير أجهزة اتصالات تلفزيونية وهاتفية قادرة على التواصل مع استديوهات البث في أصعب الظروف، والتي قد تكون فيها هذه الأجهزة عرضة لقطع الاتصال أو التوقف بدون سابق إنذار في البلد الذي تجري فيه الأحداث. 3 بناء قاعدة بيانات كبيرة بأسماء وأرقام التواصل مع من يمكن استضافتهم للحديث في مختلف التخصصات، ومن مختلف الدول، بما في ذلك الساسة، ورجال الفكر والإعلام، وأعضاء المؤسسات السياسية والمالية، لأن النقص في بيانات الاتصال بهؤلاء سيضطر المعدين إلى الاتصال بأناس أقل قدرة وكفاءة، وبالتالي تدني مستوى التحليل والحوار، وضعف التغطية الخبرية للأحداث. 4 تبني مبدأ الحيادية في التغطية الخبرية، وخاصة إذا كانت المطالبات المرتبطة بالأحداث تركز على شيء، أو تفضل شخصا على حساب آخر، أو آخرين، فسير الأحداث وتتابعها لا يمكن التنبؤ أين سينتهي، ومن الكاسب أو الخاسر، ومن هنا فالمراهنة على جانب واحد، وإدارة الدفة في اتجاهه قد توقع القناة في حرج كبير، ويفقدها المصداقية. إتاحة الفرصة للرأي والرأي الآخر ليس قصرا على ما يقوله المعلقون أو الضيوف، وإنما يمتد أيضا ليشمل ما يعرض من صور ومشاهد والتي قد يفهم من اختيار بعضها وتكرارها توجها لصالح فريق أو جهة معينة على حساب الآخرين. أحداث مصر سبقتها بوقت قصير أحداث تونس، وواقع الحال يفرض الآن على القنوات التلفزيونية، خاصة الإخبارية، أن تستوعب الدرس جيدا، وتعيد تقييم عملها بشفافية عالية. مثل هذا التقييم، لو حصل، كفيل أن يضع أي قناة على المسار الصحيح، ويضمن لها مستقبلا أكثر إشراقا، وبالتالي جماهيرية أكبر عددا وأوسع انتشارا. [email protected]