رحم الله الشيخ صالح العبد العزيز الراجحي وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله جميعا الصبر والسلوان، رحل الشيخ عن دنيانا لكن هذا الرحيل كان مختلفا عن رحيل الكثيرين من أمثاله قديما وحديثا، فقد رحل الشيخ لكن ذكراه ستبقى في أذهان الكثيرين لأن أعماله الطيبة تحدثت عنه، وستبقى تتحدث عنه ما دامت موجودة، وبقاؤها مسؤولية أبنائه خاصة من تركهم مسؤولين عن أعماله الخيرية.. نشأ هذا الرجل من قاع المجتمع، لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، ولا من فضة، بل ربما لم يكن يسمع بالملعقة أصلا، فهو بالكاد كان يجد قوت يومه، وهذه البيئة ربما هي التي جعلته يشعر بآلام المعدمين، ويعمل الكثير من أجلهم. سمعت أكثر من مرة عن نشأته، ومن أخيه الشيخ سلمان الذي شاركه في تلك النشأة، وأيضا شاركه في العمل الخيري ولا يزال. كانت نشأة قاسية، لكن عصامية الرجل وقوة إرادته، وقبل هذا توفيق الله له جعله واحدا من أثرياء المملكة بل ومن أثرياء العالم، ثراؤه لم يجعله يبتعد عن الناس، ويتكبر على عباد الله كما يفعل الكثيرون، لكنه اقترب منهم ووقف إلى جانبهم.. خصص الشيخ رحمه الله قدرا كبيرا من ماله للأعمال الخيرية، وجعل هذه الأعمال بشكل مؤسسي لكي تؤتي ثمارها كاملة، كان هذا في حياته ومنذ بضع سنوات، وجعل أحد أبنائه قائما على هذا العمل الذي أطلق عليه «وقف الشيخ صالح الراجحي للأعمال الخيرية»، وقد استطاع هذا الوقف العمل بتميز حتى استطاع أن يحوز عددا من الجوائز العربية المتعلقة بالأعمال الخيرية وهذا مما يحسب لهذا الوقف والعاملين عليه.. التاريخ الإسلامي يجعل للوقف أهمية كبيرة، والإسلام شجع عليه بصورة لافتة للنظر، وكان الخلفاء والقادة يجعلون أوقافا على العلماء والقضاة والمرضى بل والحيوانات أحيانا، وهذه الأوقاف جعلت الحركة العلمية والاجتماعية في أحسن صورة حتى تم التضييق على الحركة الوقفية مع بداية احتلال عالمنا العربي من الإنجليز والفرنسيين وسواهم، لأنهم أدركوا أهمية الوقف في حركة النهضة الإسلامية. الجيد في وقف «الراجحي» أنه لم يتوقف عند العمل الخيري الشائع، مثل: بناء المساجد، وطبع بعض الكتب الإسلامية وما شابه ذلك لأن هذا النوع من العمل وهو جليل يفعله الكثيرون، ولهذا كان لا بد من التوجه إلى نوع آخر لا يفكر فيه إلا القلة وهذا ما فعله الوقف، وهذا ما آمل أن يستمروا عليه وأن يدعموا أعمالا تشجع على الخير وإن بأشكال جديدة.. الأعمال الإعلامية الجيدة بحاجة إلى دعم كبير، وكلنا يعرف تأثير الإعلام على الكبار والصغار، وكلنا يعرف كيف أن البعض يستخدم الإعلام في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، ومن هنا كان من المهم الاستفادة من وقف الشيخ في دعم الإعلام المتعلق بتحسين صورة الإسلام.. زرت في ألبانيا إذاعة محلية يعمل فيها شاب وثلاث فتيات، ويقوم هؤلاء بعمل جيد في أوساط الشباب الألبان الذين عاشوا عقودا تحت حكم شيوعي رهيب أبعدهم عن دينهم، هذه الإذاعة التي تعمل بأجهزة وإمكانات بسيطة ولو أنهم وجدوا من يدعمهم لكان تأثيرهم أفضل بكثير.. هذه واحدة ومثلها كثير في بلاد عربية وإسلامية فأين الوقف منها؟!. التعليم أيضا بحاجة إلى دعم، فهناك بلاد مسلمة وأخرى عربية في أمس الحاجة إلى مدرسة، أو أثاث لمدرسة، أو مدرس، أو ما أشبه ذلك من احتياجات لتسهل لهم المضي في أعمالهم التعليمية، وعلينا أن نتذكر أن المنصرين يستخدمون المدارس والمستشفيات في إغراء بسطاء وفقراء المسلمين في ترك دينهم إلى النصرانية تحت ضغط الحاجة والجهل. وإن الإنفاق على الصحة والتعليم بشكل مرتب وموجه سيكون عملا جليلا في مقاييس الإسلام.. هناك أنواع كثيرة من الأعمال الخيرية بحاجة إلى دعم، وليس أفضل من دعمها عن طريق الوقف الذي يضمن لها الاستمرار، ولعل الأخ عبد السلام ابن الشيخ صالح يجعل جزءا مهما من أوقاف والده لمثل هذه الأعمال الجليلة. من حق الشيخ رحمه الله على أبنائه أن يجعلوا ذكره خالدا ليقربه ذلك إلى الله، ولن يتأتى ذلك إلا بشيء يجعل ذكره يتردد على ألسنة الناس فيدعون له دائما.. مات الملايين، ملوك، وأثرياء، ووجهاء، وآخرون، لكن الناس لم يعودوا يتذكرون هؤلاء إلا من ترك عملا حسنا يتذكره القوم به، وقد يموت بسطاء القوم، أو بعض العلماء فيبقى ذكرهم دائما وبالصورة الحسنة، كل ذلك بفضل أعمالهم الخيرة.. رحم الله الشيخ صالح الراجحي، وأسأله أن يبقي ذكره قائما في الدنيا والآخرة، ولعل ما عمله يكون مشجعا للكثيرين أن يفعلوا مثله، وفي العمل الحسن فليتنافس المتنافسون.. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 213 مسافة ثم الرسالة