• أكتب لكم عما أعانيه في حياتي مما أسميتها مأساتي التي لم أجد لها نهاية، لا تستغربوا عندما أقول بأن سبب مأساتي بل ومأساة أسرة بأكملها هو والدي، الذي جعل من حياتنا جحيما وجعلني أندب حظي، فقد حول حياتنا من نعيم وسعادة إلى جحيم لا يطاق، مأساتنا بدأت منذ أن وعينا على هذه الحياة، فأنا مثلا لم أسمع كلمة جميلة منه، وكل ما كنت أسمعه اللعنات، والضرب والشتم والتقليل من شأني وشأن إخوتي على أي شيء نعمله، لقد كنا الأوائل في المدارس وكل الناس المحيطين بنا يتمنون أولادهم أن يصبحوا مثلنا أدباً وعلماً، ولكن أبي كان كثيراً ما يقلل من قيمتنا أمام أعمامنا ومعارفنا، حتى أصبحنا نسير بينهم مطأطئي رؤوسنا، كان كل شيء بالغصب حتى أكلنا وشربنا، ولم أتذكر يوماً أنني اخترت شيئاً يخصني، فقد كان يجبرنا على فعل كل شيء، وإذا أبديت عدم رغبتي بالأكل مثلاً تكون النهاية أن يسكب الأكل فوق رأسي و يشتمني ويهزئني، وكأنني ارتكبت جريمة شنعاء بحق البشرية أجمع، وغير مسموح لنا بالمناقشة، وكان كل المطلوب منا هو التسليم والطاعة، ومع ذلك لم ينفع هذا التسليم والطاعة شيئاً فقد كان يزيد من استهتاره بنا وجعلنا عرضة للسخرية من الجميع، جدي لأبي كثيرا ما يحاول أن ينصحه ويقول له احمد الله أن لك أولادا يتمناهم الجميع، ولكن هذا يزيده سخرية بنا، ويزيد من التقليل من شأننا أمام زملائنا وأصدقائنا، ومع أننا محافظون على الصلوات وقراءة القرآن ولله الحمد، ومع ذلك لا يعترف بنا ووصل به الأمر أن ينعتنا بألفاظ غير جميلة وأن يستهزئ بنا ويصفنا بالفاسدين رغم أننا نصلي ونصوم عكسه هو الذي لا يواظب على صلاة الجماعة. حاليا أدرس في كلية الطب، وبعد فترة سأصبح طبيبة، ومع ذلك لا أستطيع إبداء رأيي بأي شيء، يحترمونني مرضاي وأساتذتي في الكلية وأنا الأولى على زميلاتي أدباً و علماً وأخلاقاً ولله الحمد، وإذا تأخرت ثانية واحدة في الخروج من الكلية وهو في انتظاري يقلب حياتي جحيماً بالسب والشتم ويجعلني أبكي وأتمنى الموت مرات ومرات، لقد كرهت الحياة وكرهت أي شيء يربطني بهذا الرجل، ولا تستغربوا أن أنعته بالرجل لأنني لا أشعر بالأبوة ناحيته، كل ما يريد منا ننفذه له من تنظيف المنزل والطبخ والترتيب، وكل كلامه أوامر ولكنه يتلذذ بذلنا والتقليل من شأننا، لا أخفي عليك أنني لا أحمل له بقلبي سوى مشاعر الكره والرفض، لقد عقدنا جميعاً من أصغرنا لأكبرنا. وبتنا لا نطيق جلوسه معنا وبالمقابل لدي أم هادئة ولا تتكلم كلمة حق، دائماً توافقه بكل ما يقول ولا تبدي رأياً ولا تحرك ساكناً وهذا ما زاد من مشكلتنا وصرت أدعو ربي ليلاً ونهاراً بأن يريحني من هذه الحياة، ووصل بي الأمر أن أقول وأحلف إذا مات لن أدعو له طيلة حياتي، لأنني أكرهه فهو سبب شقائي، وكرهي للحياة. أرجوك دلني ماذا أفعل فقد نفد صبري، وتدهورت حالتي النفسية، وكرهت حتى نفسي. رباب المدينةالمنورة إن كان أبوك كما تصفينه فأنت أمام أب مدمر يستحق من جهة ما أن توقفه عند حده لإيقاف تدميره لكم، وربما كان من الحكمة أن يساهم في ذلك جدك الذي يبدو أنه يرى ما لديكم من صفات إيجابية رؤية جيدة، وهو يملك بحكم موقعه كجد لكم وأب له أن يمنعه من ممارسة سلوك التدمير الذي يمارسه بحقكم، والواضح أنك يا ابنتي تملكين صلابة نفسية عالية فهو مع ما يفعله بك وبإخوانك إلا أنك ولله الحمد نجحت في اجتياز منعطف صعب وهو منعطف الدراسة ومشيت في طريق دراسي لا يستطيع أن يجتازه إلا من كانت لديه قدرات عقلية عالية وعزيمة عالية، وطالما أنك وصلت إلى السنوات النهائية في كلية الطب فهذا يعني أنه لم يبق لك إلا القليل حتى تحصلي على بكالوريوس الطب، وبالتالي فأنت على أبواب التخرج ومن ثم الاستقلال الاقتصادي، وسأدعو معك بأن يرزقك الله الزوج الذي يمكنك من الخروج من هذا الأتون، وما ينبغي أن تتذكريه هو أن والدك ليس سويا، ولطالما أكد لنا رب العالمين أن ليس على المريض حرج. وبالتالي فمن الحكمة مسايرته فيما بقي لك من زمن تعيشينه في داره إلى أن يمن الله عليك بالفرج وتخرجي إلى دارك، لا تصطدمي به، واحرصي على إيصال شكواكم إلى جدكم حتى لو اقتضى الأمر أن تلجأوا إلى داره، إن كان من النوع الذي يملك القدرة على مواجهة ولده. وينبغي أن يعرف بذلك أعمامكم وعماتكم بحيث يعيش مثل هذا الأب تحت ضغط الفضيحة بين أهله لعله يرعوي ويتعامل معكم بما يليق بكم، ومع كل هذا تذكري أنه يبقى السبب الحقيقي لوجودك في هذه الدنيا، فصاحبيه في الدنيا معروفا، واضغطي أنت وإخوانك وأخواتك عليه من خلال جدكم فلعل الله يجد لكم من أمركم مخرجا.