أطلق الأطباء والبيئيون تحذيرا من ظهور أمراض جديدة تهدد أهالي جدة بعد موجة الأمطار التي شهدتها الأربعاء الماضي. ولفتوا ل«عكاظ» إلى أن الوضع في جدة أصبح يشكل كارثة بيئية ومؤشرا لظهور العديد من الأمراض التي تهدد صحة الإنسان وخصوصا الأطفال، ومرتعا وبيئة خصبة لتكاثر الحشرات والقوارض. النفايات المبعثرة وحذر الخبير البيئي الدكتور عبدالرحمن كماس من الأمراض الناتجة عن التلوث البيئي الذي تشهده جدة بعد موجة الأمطار، مبينا «أن انتشار النفايات في الشوارع أصبح يهدد السكان بأمراض مخيفة، قد يتعرض لها الفرد في أي وقت، وخصوصا أن عوامل الأمراض كلها مهيأة بعد موجة الأمطار، فالبعوض انتشر بشكل أوسع وهو بدوره يهدد بحمى الضنك، كما أن وجود بقايا المياه في الأحياء يولد أنواعا كثيرة من الحشرات والقوارض والذباب. ونصح الدكتور كماس بمعالجة كل أوجه وأشكال التلوث المنتشر في الأحياء وفي الشوارع والطرقات، حتى لا تتعرض جدة لكارثة صحية ووبائية كبيرة. أمراض معوية استشاري مكافحة العدوى ووبائيات المستشفيات في صحة جدة الدكتور محمد عبد الرحمن حلواني أكد أن الوضع البيئي في جدة أصبح مصدرا لانتشار العديد من الأمراض، وخصوصا بين الأطفال الذين يجدون في المياه المتجمعة فرصة للسباحة أو اللعب. وأضاف «هناك العديد من الأمراض التي تنتج عن تلوث المياه الراكدة بمياه المجاري والتي عادة ما تطفح بسبب ازدياد منسوب المياه في الحي، وعدم وجود التصريف المناسب، وبالتالي تصبح مياه الأمطار المجمعة مياها آسنة كليا أشبه بالمستنقع شاملة داخلها أنواعا من الطفيليات كالمسببة للبلهارسيا وعلى سبيل المثال أنواعا عديدة من البكتيريا المسببة للأمراض المعوية بجميع أشكالها بما فيها الميكروبات المسببة للكوليرا، ناهيك عن الفيروسات المختلفة كالفيروس المسبب للالتهاب الكبدي نوع (أ) وفيروس شلل الأطفال». ودعا الدكتور حلواني أمانة جدة للتحرك السريع في شفط المياه المتجمعة، وإزالة النفايات التي تبعثرت بعد موجة الأمطار في الشوارع، والرش الضبابي، لتجنب أسراب البعوض والذباب وغيرها من الحشرات الدقيقة. الضنك والملاريا ويتفق مدير عام التوعية والإعلام البيئي في الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة الدكتور نايف صالح الشلهوب مع الرأي السابق ويقول: من أكثر المظاهر الملفتة للنظر في بيئة جدة هو تعدد أشكال التلوث البيئي، ويبدو ذلك واضحا في انتشار النفايات المبعثرة وغيرها المتراكمة في داخل الأحياء، واختلاط مياه الأمطار بخزانات المياه الأرضية، وانتشار السيارات التالفة في داخل الأحياء والشوارع، وكل هذه المعطيات تستدعي التحرك السريع في إنهاء كل أوجه التلوث. ولفت الدكتور الشلهوب إلى أن أبرز المخاوف التي يعيشها أهالي جدة هو التعرض لأي شكل من أشكال الأمراض، لا سيما أن الأمطار شكلت الآن بيئة خصبة للبعوض المهدد بالضنك والملاريا، والفئران والقطط، وغيرها من الحشرات الدقيقة. مخاطر الأتربة وكشف رئيس الجمعية السعودية لعلوم البيئة الدكتور أسعد أبو رزيزة، أن الأضرار البيئية الناتجة عن الأمطار والسيول هي قصيرة الأمد في كونها أضرارا ناتجة عن الأتربة التي جرفتها السيول معها إلى وسط المدينة، موضحا أنه «بعد جفاف المياه قد تتسبب هذه الأتربة في أضرار كثيرة على الجهاز التنفسي من أهمها الربو». وعن أضرار السيول التي اختلطت مياهها بمياه المجاري قال «لا يوجد أي ضرر من ذلك، حيث إن مياه المجاري قد أصبحت ذات تركيز منخفض جراء السيول الكثيفة إلا إذا اختلطت بمواد كيميائية أو مخلفات بترولية، والضرر الموجود هو ضرر مؤقت على الكائنات البحرية التي تعيش على أشعة الشمس، حيث إن مياه السيول المختلطة بالأتربة ومياه المجاري تسبب عتامه على سطح البحر وبالتالي تحجب أشعة الشمس عن الكائنات البحرية التي تعتمد في حياتها على هذا الضوء مثل الشعب المرجانية». ونصح في نهاية حديثه بمتابعة الأطفال وعدم تركهم يلعبون في الشوارع والحدائق العامة كي لا يتعرضوا للضرر وأمراض الجهاز التنفسي في هذه الفترة. التهابات العيون وفي السياق نفسه، قالت استشارية العيون الدكتورة سيرين الجوهرجي إن مياه الأمطار تخلف أمراضا عديدة منها ما قد يحدث للعيون نتيجة التعرض لتلك المياه الملوثة بالجراثيم والبكتيريا والتي تؤدي إلى التهابات فيروسية وبكتيرية وتحسسية جرثومية، بالإضافة إلى أن مياه الأمطار فيها كمية كبيرة من التراب الذي قد يعرض الفرد وخصوصا الأطفال إلى جرح القرنية، وفي حالة إهمال علاج تلك الأمراض قد يتعرض الشخص إلى ما لا تحمد عقباه. ولفتت الدكتورة سيرين إلى «أن من يرتدي العدسات اللاصقة يجب ألا يتعرض لتلوث المياه الراكدة أو مياه الأمطار لأن خطورتها على العين تسبب مرض الأميبا الذي يؤدي للعمى». ونصحت بسرعة غسل العين بالماء النقي حين تعرضها لمياه الأمطار، وتفتح العين تحت الدش اليدوي، ويرخى الجفن السفلي إلى أسفل والعلوي إلى أعلى حتى يدخل الماء وتنقى العين، «كما لا أنصح باستخدام القطرات المعقمة لأنها تحتوي على مواد كيميائية ضد الاحتقان، وهذه المواد تجعل أوردة العين تتقلص وعند الاستخدام تكبر العين وتدمن عليها، لذا أفضل القطرات التي تمنح العين دموعا طبيعية». وحذرت الدكتورة سيرين من استخدام قطرات الكورتيزون التي تمنح مناعة للعين في البداية لكن كثرة استخدامها تؤدي إلى تفاقم المرض أو القطرات التي تحتوي على مضاد حيوي إلا بعد الرجوع إلى الطبيب في استخدامها، فأخذ جرع غير كافية منها للعين يجعل البكتيريا تقاوم المضاد الحيوي وبذلك يصعب علاجها. وشددت على ضرورة متابعة الأم والأسرة بعدم تعرض أبنائهم لمياه الأمطار أو اللعب فيها، ونظافة أبنائهم بغسل اليدين بطريقة صحية، والاهتمام بصحة الجسم وسلامته من تلك الأوبئة التي نتعرض لها نتيجة الإهمال. أمراض جلدية من جانبها، أوضحت استشارية الأمراض الباطنية في مستشفى الملك فهد الدكتورة إيمان لبد أن ركود مياه الأمطار يولد البعوض والحشرات الضارة التي تؤثر على صحة الإنسان، كما أن التعرض لمياه الأمطار يمهد لنزلات معوية وأنفلونزا، ومن الممكن أن يتعرض الإنسان للملاريا والضنك بكل أشكاله إذ يشعر فيها المريض بآلام تؤثر على أجهزة الجسم وعلى كرات الدم البيضاء والصفائح الدموية التي تصل بالمريض إلى النزيف. ونصحت الدكتورة لبد بضرورة تجنب الأطفال اللعب في مياه الأمطار باعتبارها مياها ملوثة ومختلطة بمياه الصرف الصحي والأتربة التي تحمل مواد سامة يتعرض لها الإنسان، بالإضافة إلى كثير من الالتهابات والأمراض الجلدية والمعدية التي تصيبه، بجانب أن الشخص والطفل المجروح لو تعرض لتلك المياه المحملة بالطين قد يصاب بالتيتانوس، ويتلوث الجرح منها. الرش بالمبيدات من جانبها، ناشدت استشارية الباطنية الدكتورة إيمان الصيوتي في مستشفى الملك فهد في جدة الأمانة والصحة بمكافحة وردم ورش المستنقعات التي خلفتها مياه الأمطار في داخل الأحياء، وبينت أن «الرش بالمبيدات السائلة والجافة ضروري للقضاء على توالد البعوض الذي يأخذ عدة أيام للتكاثر». وطالبت بالإسراع في عمل شبكة تصريف مياه الأمطار في الأنفاق والشوارع، وإعادة بناء السدود حتى لا تعيش جدة الكوارث المؤلمة، حيث إن التعرض للتلوث في تلك المياه يؤدي إلى التهابات رئوية ونزلات شعبية ومعوية وحمى الضنك والفطريات والبكتيريا التي تؤدي إلى أمراض جلدية وتنفسية. ونصحت باستخدام الأدوية الموجودة على شكل بخاخ وكريمات توضع على الجسم لتفادي لدغ البعوض، وعدم التنزه في أماكن مفتوحة إلا بعد أخذ الحيطة، ووضع تلك الأدوية على الأيدي والأرجل، بالاضافة إلى التأكد من سلامة الخضراوات والفاكهة التي قد تتعرض لأماكن تلوث مياه الأمطار، وغسلها ووضعها في محلول الخضراوات، والتأكد من النظافة الشخصية بعد العودة للمنزل.