أوضح تقرير أصدرته الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أخيرا، أن 40 في المائة ممن لجأوا للجمعية لا يثقون بها، وأضاف التقرير أن بعض شرائح المجتمع تحتاج لتكثيف التوعية بثقافة حقوق الإنسان. وفي دراسة أعدها مركز السجيني للاستشارات الاقتصادية والإدارية في شهر صفر العام قبل الماضي بهدف قياس مدى معرفة المجتمع السعودي بكافة أطيافه وشرائحه الاجتماعية بحقوق الإنسان، أكدت الدراسة أن ما نسبته 59 في المائة من أفراد المجتمع لا يعلم بأي من المؤسسات التي تعمل في مجال حقوق الإنسان، وأن نسبة انتشار ثقافة حقوق الإنسان في المملكة نحو 25.8 في المائة، وأن هناك 40.4 في المائة من المجتمع ليسوا على استعداد للجوء إلى الجهات المختصة بحقوق الإنسان في المملكة، وترجع الدراسة ذلك إلى عدم المعرفة بمجال عمل المؤسسات المختصة في حقوق الإنسان لعدم الثقة في هذه الجهات، وخلصت الدراسة إلى أن المجتمع ما زال لا يملك قدرا مناسبا من المعرفة في مجالات حقوق الإنسان، حيث تعد الصورة الذهنية لحقوق الإنسان في المملكة ضعيفة بشكل واضح، خاصة في المؤسسات التي تعمل في مجال حقوق الإنسان، مؤكدة أن المجتمع لا يزال في حاجة إلى نشر الكثير من الوعي والتثقيف بالمفاهيم والمنظمات والحقوق الأساسية للإنسان، وتشير الدراسة إلى أن هناك خللا في وعي وثقافة المجتمع بمنظومة حقوق الإنسان مما يحتاج إلى مزيد من الجهد والعمل من قبل المؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان في المملكة من أجل نشر الوعي وتعزيز الثقافة. «عكاظ» في هذه الحلقة من ملف (حقوق الإنسان .. الوعي الغائب)، تسأل عددا من المهتمين عن الآليات التي يمكن من خلالها رفع الوعي الحقوقي ونشر وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان داخل المجتمع، فكانت إجاباتهم على النحو التالي: الدكتور نايف الزارع وكيل كلية التربية في جامعة الملك عبد العزيز في جدة للتطوير، رأى أن الآلية الأكثر تأثيرا هي إيصال الثقافة الحقوقية عبر إبراز سماحة الشريعة الإسلامية ونشر هذه الثقافة عبر خطب الجمعة، وتضمين هذه الثقافة المقررات الدراسية، واستحداث برامج على مستوى البكالوريوس في التعليم العالي تمنح درجة البكالوريوس في تخصص حقوق الإنسان، ونشر الوعي من خلال وسائل الإعلام والندوات، وتوعية المسؤولين في القطاعات بحقوق أفراد المجتمع في الجهات التي يرأسونها، وتسخير برامج الإذاعة والتلفزيون لنشر هذه الثقافة. وقال «هيئة حقوق الإنسان وجمعية حقوق الإنسان وإن بادرتا بتوعية غير معلنة إلا أنهما لم تؤديا دورهما ولم تبتعدا عن محيط مقرهما»، وأضاف «لا أدري لماذا تغيب الجمعية والهيئة هذه الثقافة عن الناس؟ وما المصلحة؟». مسؤولية مشتركة المحامي الدكتور عدنان الزهراني رأى أن تغييب الوعي الحقوقي مسؤولية مشتركة بين الجهات الحقوقية والأسرة والتعليم والإعلام، وقال «للأسف ندرك النقص ولا نستدركه»، وأضاف «في رأيي أن المسؤولية الأكبر ملقاة على التعليم، فالتعليم بدءا من المرحلة الابتدائية إلى أعلى المراحل لم تضمن مناهجها الثقافة الحقوقية التي نعيشها في المجتمع بمفاهيمها المعاصرة، بل نجد علماء في الطب والهندسة وغيرها لا يعرفون ما لهم وما عليهم فيفقد المجتمع خيرا كثيرا من جهة التناصف والعدالة». الوصول للناس أما الدكتورة مها حريري مدربة أسرية، فاقترحت لنشر ثقافة حقوق الإنسان والتعريف بها، إعداد برامج إعلامية مكثفة تشترك فيها كافة الجهات الحكومية والمدنية، لكنها رأت أنه لا بد أن تبادر الجهات الحقوقية (هيئة وجمعية حقوق الإنسان) انطلاقا من مهماتها التثقيفية، وقالت «يشترط في هذه الحملة التوعوية إشراك القنوات التلفزيونية والإذاعة لأنهما الوسيلتان الإعلاميتان الأكثر انتشارا ووصولا إلى كافة الناس، على أن تتضمن هذه الحملة أفلاما وثائقية وقصصا مؤثرة حلت من قبل جمعية حقوق الإنسان لتحقيق أكبر أثر ممكن»، وأضافت «يجب أن تكون الحملة شاملة لكافة المناطق تتضمن محاضرات ودراسة حالات مباشرة لتثبت هذه الجهات الحقوقية أنها موجودة، إضافة إلى حملة توعوية داخل المدارس». أين دوركم؟ واتفق الدكتور سامي الأنصاري مستشار علاقات أسرية مع اقتراح الدكتورة مها حريري في ضرورة عقد دورات توعوية توضح دور الجهتين الحقوقيتين في المملكة أولا، ثم ثقافة حقوق الإنسان، وتخصيص حصة أسبوعية أو شهرية في الجامعات والمدارس لبيان حقوق الإنسان وكيفية المطالبة بها وفق آلية واضحة، وقال «المجتمع بحاجة إلى مثل هذه الجهات الحقوقية لتوضح له حقوقه وتدافع عنه»، وأضاف «المشكلة أن هذه الجهتين تعمل لمصالحها الشخصية بعيدة عن المواطن، والنتيجة ضبابية حقوق الإنسان عند المواطن»، وزاد «دور هذه الجهات وما أنشئت من أجله دور ريادي لكن أين هي من تفعيل هذا الدور؟». دور مفقود بدوره اقترح رئيس قسم الإرشاد والتوجيه ورئيس لجنة حقوق الإنسان في إدارة التربية والتعليم في جدة سالم الطويرقي ثمانية عناصر لترسيخ ونشر ثقافة حقوق الإنسان داخل المجتمع، هي: نشر ثقافة حقوق الإنسان ثم ترسيخ هذه الثقافة داخل المجتمع، التأكيد على أهمية أن تستند مفهوم حقوق الإنسان إلى ثقافتنا الإسلامية، الاهتمام بنشر ثقافتي حقوق المرأة والطفل، وإزالة الحواجز النفسية التي تقف وراء قناعات البعض من أفراد المجتمع، وتكاتف جميع وسائط التنشئة الاجتماعية في القناعة بأهمية حقوق الإنسان والمساعدة في نشرها، تفعيل دور وسائل الإعلام في نشر الثقافة الحقوقية بشكل يخاطب الوجدان الإنساني، نشر المعاهدات والاتفاقيات الدولية في هذا المجال، والحوار حول حقوق الإنسان دون إقصاء لأحد لتحقيق مزيد من الانسجام والتقبل. وقال «على الجهتين الحقوقيتين (الهيئة والجمعية) القيام بدورهما، فهما المسؤولتان عن نشر ثقافة حقوق الإنسان فدورهما مفقود»، وأضاف «من الوسائل التي اعتقد مناسبتها في نشر ثقافة حقوق الإنسان النشرات التعريفية حول مفهوم ثقافة حقوق الإنسان، واستكتاب ذوي العلاقة ونشر ما يكلفون بالكتابة عنه في هذا المجال، تخصيص صفحة في الصحف اليومية للتحدث حول هذا الموضوع ونشر المخالفات، دعوة الناس إلى ندوات العامة ومحاضرات لا تقتصر على نخبة معينة من شرائح المجتمع، إعداد برامج تلفزيونية وإذاعية بالتنسيق مع وزارة الثقافة والإعلام، وعقد ورش عمل توجه للقائمين على أمور رعاية الطلاب والنساء». ولفت الطويرقي إلى أن أفراد المجتمع بحاجة إلى معرفتهم بحقوق الموظفين، المراجعين، النساء، حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، الطفل، العمال، الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، والتعريف بالاتفاقيات التي صادقت عليها المملكة وغير المصادقة عليها. مبدأ الإنسانية الباحث القانوني خالد نحاس المدير التنفيذي السابق لفرع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في منطقة مكةالمكرمة، قال «إذا أردنا نشر وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في مجتمعنا يجب أن نكثف الوعي من خلال المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وضمانات هذه الحقوق في الشريعة الإسلامية لنؤكد للمجتمع مكانتها كثقافة في ديننا الإسلامي»، وأضاف «لقد تكفلت الشرائع السماوية والمواثيق الدولية وتضمنت الكثير من الدساتير الوطنية نصوصا تضمن وتكفل حماية تلك الحقوق الإنسانية، لكن المشكلة تظهر على ساحة الواقع عند تطبيق هذه الحقوق»، وزاد «الحل أن يعي الناس ويعترفوا بمبدأ إنسانية المخلوق البشري، فالاعتراف هو المدخل لاحترام حقوق الإنسان». واقترح نحاس عند إعداد استراتيجية لنشر ثقافة حقوق الإنسان التركيز على مبدأين الأول: حقوق الإنسان من منظور إسلامي (مبادئ وضمانات)، الثاني: احترام هذه الحقوق والحث على تطبيقها.