رأى المختصون أن أكبر مهدد لبرامج مكافحة الدم الوراثية هو العناد المتأصل في عقول بعض الشباب وإصرارهم على الزواج رغم وجود صفات متنحية يكشف ملامح مخاطر المستقبل على الزوجين والأطفال. ويضيف المتخصصون أن أكثر الأمراض خطورة وجدت طريقا سالكا ومعبرا مفتوحا عندما تراخت الأسرة وتنازلت عن حقها في تبصير أبنائها بمخاطر الزواج والاقتران، مع علمهم بوجود ثغرات صحية ربما تكون سببا في تعثرات رحلة العمر أو سببا في نهايتها الحتمية بالموت أو الضياع. الشاب وليد، مثل ضرب بكل نصائح الأسرة والصحة عرض الحائط بعدما تبين أن شريكة حياته المرتقبة تعاني من اعتلالات في الدم، فتنامت في دواخله العاطفة في وقت كان المطلوب تغليب العقل، وسيمضي وليد إلى إكمال مشروع العمر كما يقول مسنودا برغبته وعروسه لإكمال مسيرة حياتهما مهما كانت الأسباب، حتى يجعل الله أمرا كان مفعولا حسبما يقول. تزايد مخيف للمرضى في المقابل، يجمع الأطباء المختصون في أمراض الدم الوراثية، أن المنطقة الشرقية تعد من أكثر مناطق العالم انتشارا في هذ النوع من المرض، خصوصا محافظتي الأحساءوالقطيف، حيث يتزايد أعداد المصابين بشكل مخيف كل يوم كل يوم، نتيجة نمو المجتمع ولعوامل أخرى منها عدم تقبل الأطراف غير المتوافقة على الزواج أو استمرار الإنجاب من الأبوين غير المتوافقين. ويشير عضو الجمعية العلمية لأمراض الدم الوراثي الاستشاري في مستشفى الولادة والأطفال الدكتور زكي نصر الله، أن الدراسات تبين نسبة الحاملين والحاضنين للمرض قبل اعتماد مشروع فحص ما قبل الزواج بلغ 33 في المائة تركزت في القطيفوالأحساء تقريبا. وكشف أن هناك 400 طفل يولدون سنويا في الشرقية مصابون بمرض خلايا الدم المنجلية وتعادل كلفة العناية بواحد منهم كلفة إنشاء مركز متخصص في أمراض الدم، إذ تصل إلى ثلاثة ملايين ريال وهو ما توفره المستشفيات الخاصة للمصابين وأن تكلفة علاجهم قد تتجاوز نصف بليون ريال بالإجمال. وانتقد الدكتور زكي عدم إنشاء مثل هذه المراكز من قبل وزارة الصحة ودعاها إلى تبني مثل هذه المشاريع من خلال إنشاء مراكز متخصصة للفحص الجيني مما سيوفر عليهم الكثير، موضحا «أن المريض المصاب بالمرض ينفق أكثر من مليون ريال على علاجه في حال عدم حدوث مضاعفات صحية له بينما سينفق عليه أضعاف هذا المبلغ من خلال توفير أطباء معالجين وأدوية وغرف للتنويم في المستشفيات، حيث المريض يقضي نصف حياته وهو يعالج المرض». وأشار إلى أن نسبة الإصابة بالمرض في الشرقية تعتبر الأعلى في المملكة، إذ تشير الإحصاءات إلى أن نسبة حاملي الصفة الوراثية للمرض في محافظة الأحساء وحدها 22 في المائة وهذا حسب إحصائيات سجل المواليد ململحا أن المرض الذي يحتل المرتبة الثانية في أمراض الدم الوراثية هو الثلاسيميا، إذ يصل عدد المصابين به إلى 2000 مصاب على مستوى المملكة. وطالب الدكتور زكي أن يكون هناك مراكز متخصصة للكشف عن المرض في الدمام، الخبر، الأحساء، والقطيف. الملاريا أولى العتبات مديرة المختبرات الطبية في مستشفى الملك فهد الجامعي الدكتورة إيمان حمود الشيخ، قالت إن أمراض تكسر الدم يعد أكثر انتشارا في المنطقة الشرقية بصورة كبيرة، ويرجع سبب ذلك إلى الحماية التي يحصل عليها حاملو المرض ضد الملاريا الذي كان منتشرا قديما في المنطقة لاسيما الأحساء. وأضافت الدكتورة إيمان أن مرض فقر الدم المنجلي في المنطقة يلقى اهتماما عالميا؛ كونه يختلف عن المناطق الأخرى في أفريقيا وأمريكا وأوروبا، حيث كشفت عن العوامل التي تؤثر في فقر الدم المنجلي في الشرقية، ومنها اعتلالات الثلاسيميا ألفا وبيتا والتي تنتشر بشكل كبير أيضا في المنطقة وإلى أسباب ارتفاع هيموجلوبين. أمام هذه الوقائع الماثلة يشعر عدد كبير من الشبان والشابات المقبلين على الزواج بالمخاطر الحقيقية لمستقبل محفوف بالأمراض المكتسبة والمتوارثة وإزالت المخاطر المحتملة عوامل العاطفة والرغبة في الزواج «مهما كان الثمن» وبصمت في خواطرهم ووجدانهم دخول المستقبل وعش الزوجية السعيد بصحة تامة وعافية مؤكدة بدلا عن المغامرة المحفوفة بالمخاطر. العاطفة أو المستقبل؟ يقول سعيد عبدالمحسن: ما اطلعنا عليه وأدركناه من مخاطر الأمراض الوراثية تحفزنا على احتساب كل خطوة، فالأمر لا يستغرق دقائق قليلة لكنها في واقع الأمر تعود على جيل كامل بعوامل الاستقرار والهدوء والسلامة، فماذا يفيد المرء إذا ربح عاطفته وخسر حياته؟ على النقيض من ذلك يحمل الشاب المقبل على الزواج عبدالله الشهري على كل برامج الفحص ما قبل الزواج ويعتبره ترفا لا مسوغات علمية تسندها، فالقواعد العامة والعرف الاجتماعي المتوارث تدعو الشبان إلى الزواج من ذات الدين والخلق، فالعشرات من الأجداد تزوجوا على الطريقة التقليدية ومضت حياتهم كما هي محتشدة بالأولاد والأحفاد الأصحاء، صحيح أن الوقاية خير من العلاج، لكن العرف الاجتماعي لا يقبل مطلقا أن يخضع العريس والعروس لاختبارات صحية تشترط عليه إكمال نصف الدين من عدمه. عينات من الدماء وفي مبنى اللياقة الطبية في المديرية العامة للشؤون الصحية، رصدت عدسة «عكاظ» سحب عينات من دماء الشبان السعوديين من الراغبين في إتمام الزواج، ولعل اللافت في الأمر أن العاملين على هذه المراكز من الشباب السعودي المؤهل يؤدون مهماتهم بإتقان وولاء للمهنة، وصادفنا في الموقع شابا أجرى لتوه عملية الفحص ولما سألناه أن كان سيمضي في مشروعه حال عدم لياقته الصحية أجاب أنه سيتراجع عن فكرة الزواج إيمانا بالمخاطر الكبيرة التي ستتولد من مغامرة الزواج المحفوف بالأهوال والمصائب على حد قوله. ويحث محمد الغامدي الجهات المختصة في الصحة على تكثيف التوعية لتحفيز الشباب على خوض تجربة الفحص والعمل على إزالة وإقصاء المفاهيم الخاطئة. جينات وراثية رئيس الجمعية العلمية لأمراض الدم الوراثي الدكتور محمد قاري، يؤكد أن نسبة حاملي جينات أمراض الدم الوراثية في المملكة بلغت 30 في المائة وأن عدد المرضى الفعليين بأمراض الدم الوراثية وصل إلى 50 ألف مريض من الجنسين الذكور والإناث منهم عشرة آلاف في محافظة القطيف ومثلهم في مدينة الأحساء. التطعيمات ضرورية ولمحت استشارية الأطفال وأمراض الدم والأورام وزراعة نخاع العظم في الحرس الوطني الدكتورة أروى اليماني، إلى أن أكثر المناطق انتشارا لحالات الإصابة بأمراض الدم المنجلية «الأنيميا» هي المنطقة الجنوبية، إذ بلغت نسبة الأشخاص الحاملين لها في فحص ما قبل الزواج من 12 18 في المائه وفقا لآخر إحصائية للمنطقة الجنوبية. وبينت يماني، أن أمراض الدم المنجلية «الأنيميا» هي أمراض وراثية ليست معدية، ويلعب الفحص الطبي قبل الزواج دورا مهما في خفض احتمال إصابة الأبناء بالمرض، مع التأكيد على ضرورة التزام المقبلين على الزواج بالفحص المبكر قبل إتمامه وخصوصا الأقارب. واستعرضت استشارية الأطفال وأمراض الدم والأورام احتمالات انتقال المرض من الزوجين إلى أبنائهما،حيث أنه إذا كان الزوجان حاملين للمرض، فإن احتمالية أن يكون الطفل مصابا تصل إلى25 في المائة، بينما تصل احتمالية حمله للمرض إلى 50 في المائة، أما احتمالية سلامة الطفل فتصل نسبتها إلى 25 في المائة. وأضافت «أهم طرق علاج الأطفال المصابين تتمثل في الفحص المبكر عند الولادة ومن ثم البدء في سبل الوقاية من الإصابة بالالتهابات البكتيرية التي قد تسبب مضاعفات للمرضى مثل بدء المضاد الحيوي البنسلين مبكرا والالتزام بالتطعيمات مثل التطعيم ضد الحمى المستدمية والحمى الشوكية وتعليم الأهل كيفية فحص الطحال لمتابعه المريض»، كما أن المتابعة الدقيقه والمنتظمة في العيادات الخارجية لمعرفة نسبة خضاب الدم (الهيموغلوبين) ومن ثم الحاجة لنقل الدم ونسبة تراكم الحديد في الجسم لعلاجه مبكرا من أهم العوامل التي أسهمت في الوقاية من تدهور حالة المريض. اليماني أكدت على ضرورة الفحص المبكر سواء بالأشعة الصوتية أو المغناطيسية للأوعية الدموية في الدماغ لمعرفه الأشخاص المعرضين لاحتمالية الإصابة بالجلطات الدماغية الناتجة عن الأنيميا المنجلية والوقاية منها مبكرا سواء عن طريق نقل الدم الدوري أو تغيير الدم في حال حدوث الجلطة الدماغية، والطريقة المثلى للعلاج التام من «الأنيميا» هي زراعة النخاع العظمي في حال وجود نسيج مطابق للمريض من أحد الإخوة أو الوالدين وبخاصة للأشخاص دون سن الثامنة عشرة من العمر المصابين بجلطات دماغية أو مضاعفات بسبب المرض.