فتحت قضية فتاة الطائف التي سقطت في بئر ماء منذ أيام، الباب أمام الجهات الرسمية لإعادة النظر في أوضاع الآبار العشوائية التي تنتشر في المناطق الزراعية، في وقت تؤكد هذه الجهات أن هناك عقوبات تطبق بحق المخالفين الذين يحفرون الآبار بطرق غير نظامية ودون الحصول على ترخيص من الإدارات المخولة. ويؤكد مزارعون أن ظاهرة حفر الآبار تراجعت أخيرا وبشكل كبير بسبب ندرة المياة الجوفية وانعدام الجدوى منها، فيما يطالب أهالي المناطق الزراعية بتحرك حكومي جاد لردم الآبار المكشوفة وغير المسورة وخصوصا تلك التي لا يستفاد منها، وتسوير الآبار المستخدمة، مؤكدين أنه لا تمر فترة دون وقوع حادث سقوط في إحدى هذه الآبار، وتحسبا لتكرار حادثة الطائف التي اضطر معها المنقذون إلى حفر بئر أخرى إلى جوار القديمة لانتشال جثة الفتاة المفقودة. 4 آلاف بئر عشوائية في عسير البداية من منطقة عسير التي لا يكاد يمر شهر أو اثنان حتى يتناقل الأهالي خبرا حول غرق شخص أو العثور على آخر داخل آبار حفرت بشكل عشوائي في المزارع. وينتشر في المنطقة ما يزيد على 4000 بئر، تشكل خطرا حقيقيا على الأهالي، ووفقا لإحصائيات غير رسمية فقد وصل عدد الأشخاص الذي سقطوا في آبار 11 شخصا خلال الأعوام الثلاثة الماضية. ويقول الناطق الإعلامي للدفاع المدني في منطقة عسير المقدم محمد العاصمي إن دور الدفاع المدني يتمثل في رصد مواقع الآبار العشوائية، والرفع بها إلى الجهات ذات العلاقة، فيما تباشر إدارة العلاقات العامة بتوعية المواطنين والمقيمين بخطورة هذه الآبار وحث أصحابها على تسويرها وردم غير المفيد منها، وذلك من خلال النشرات التوعوية التي تصدر بين الحين والآخر. غير أن أهالي المنطقة يتساءلون عن مدى التطبيق الفعلي لهذه التعليمات، مع بقاء هذه الآبار شبحا يهدد المارة، ويطالبون باتخاذ إجراءات أكثر حزما لحماية الناس من هذه الآبار، فيما يشدد مدير الدفاع المدني في المنطقة اللواء عبد الواحد الثبيتي على ضرورة تعاون المواطنين بالإبلاغ عن الآبار التي تشكل خطرا على الناس، مؤكدا أن هناك خطوات مهمة جدا وتعليمات ملزمة تقضي بتكليف أصحاب الآبار بالتصرف في الآبار المهجورة أو المتروكة بالردم أو الاستفادة منها، وإبلاغ المحافظين ورؤساء المراكز عن الآبار المكشوفة وأخذ التعهد على أصحاب تلك الآبار كل في حدود قريته والإرشاد عن أسماء مالكي البئر الواحدة. ترخيص الحفر يقول الجيولوجي أحمد السرحاني وهو مسؤول الآبار في المديرية العامة للمياه في منطقة تبوك إن الحفر العشوائي للآبار دون الحصول على تراخيص ودون تطبيق المواصفات الفنية الصحيحة في الحفر، يؤثر سلبا على قشرة الأرض وطبقات المياه والمخزون المائي داخلها. وبين أن صاحب البئر يلزم بعمل التغليف (الكيستنج) وذلك لمنع اختلاط المياه والتكوينات الجيولوجية، ويتطلب ذلك الحصول على رخصة حفر واستخدام المعدات اللازمة لتنفيذ أعمال الحفر تحت إشراف الوزارة أو المكاتب الجيولوجية المتخصصة، ويشترط كذلك وضع علامات إرشادية وتحذيرية توضح وجود بئر تحت الإنشاء. وأكد أن المديرية تباشر جولات تفتيشية على المزارع التي تحفر الآبار العشوائية، وتحرر مخالفات بحق المخالفين تتراوح مابين 10 50 ألف ريال، وتطبق بحقهم كذلك عقوبات سحب الرخص وتهدم البئر التي تم حفرها، وتم خلال العام الماضي تحرير أكثر من 15 مخالفة. وأوضح أن مواصفات حفر الآبار في منطقة تبوك تختلف عن المناطق الأخرى، فالمزارع الموجودة على طريق المدينةالمنورة تحتاج إلى حفر بعمق 550م، أما على طريق الأردن فتحتاج إلى عمق أكبر وفي حدود 750م، في حين تحفر الشركات بعمق أكبر يصل إلى 1200م وبقطر 14 بوصة. غياب المكاتب الهندسية وفي منطقة الباحة، أصبحت ظاهرة حفر الآبار منتشرة بشكل واسع، إذ يلجا المواطنون إلى حفر الآبار داخل مزارعهم أو في أحواش المنازل للحصول على المياه، خصوصا أن الآبار القديمة باتت لا تفي بالغرض. ويقول المواطن ناصر خميس الغامدي إن الأهالي يستعينون بخبراء يعرفون مواقع الماء في باطن الأرض، ولكن لا توجد في المنطقة مكاتب هندسية لحفر الآبار وتقديم النصح والإرشاد للمزارعين. ويقول مدير الدفاع المدني في منطقة الباحة العميد إبراهيم الزهراني إن عدد الآبار المسورة في مدينة الباحة 110 آبار، فيما غير المسورة 139 بئرا، وفي محافظة بلجرشي هناك 1200 بئر غير مسورة، و270 في القرى، و129 بئرا غير مسورة في المندق. ويطالب المزارعين بتسوير الآبار المكشوفة حتى لا يتعرضوا للمساءلة وتطبق بحقهم المخالفات. 60 % من آبار الأحساء جافة وفي الأحساء، يؤكد مزارعون من سكان بلدة المنيزلة التابعة لمحافظة الأحساء أن ظاهرة حفر الآبار تقلصت بشكل كبير أخيرا، ويعود ذلك إلى ندرة الماء في باطن الأرض وجفاف العيون، ويشيرون إلى أن ما يقارب 60 في المائة من الآبار جفت، واقتصر حفر الآبار على عدد من الشركات الخاصة في المحافظة التي تباشر الحفر بصورة نظامية. ويقول المواطن حسن بن صالح العلي (من سكان بلدة الرميلة) إن حفر الآبار بشكل عشوائي، كان سببا في شح المياه طيلة الأعوام الماضية، ويطالب المسؤولين بمتابعة من يستنزف المياه الجوفية ومعاقبتهم، لكنه يرى أن استخدام طرق الري الحديثة هو أحد الحلول التي تعمل بها وزارة الزراعة للمحافظة على المياه الجوفية وتكافئ المزارعين الذين يستخدمون هذه الطريقة. ويقول المهندس عادل بوزيد من هيئة الري والصرف في محافظة الأحساء إن عمليات حفر الآبار ما زالت مستمرة، ولكنها تقلصت بشكل كبير وملحوظ أخيرا، وذلك بسبب انخفاض منسوب المياه في المنطقة، ونتج عن ذلك تراجع هائل في التكوين الجوفي الرئيس المغذي (نيوجي)، وهو ما أحبط المزارعين الذين يحفرون بعمق 40 60 مترا، وانحصرت عمليات الحفر في المناطق التي تكون فيها الطاقة النوعية لللآبار عالية مثل قريتي بني معن والقرين. ويؤكد أن الحفر العشوائي يهدد بانهيار في الأرض، لأن الكهوف العليا عند 40 60 مترا أصبحت فارغة من الماء الذي يشكل سندا لها، ويضيف «يوجد في الأحساء أكثر من 3000 بئر عشوائية، ولا تمتلك هيئة الري والصرف إلا 50 بئرا فقط محفورة بشكل نظامي، وهناك آبار نظامية تمتلكها بعض الشركات، ولو قارنا بين البئر النظامية وغير النظامية، سنجد أن للبئر النظامية مواصفات جيدة من حيث حجب الطبقة السطحية التي تحجب الملوثات والأملاح عن الطبقة الرئيسة الحاملة للمياه، لذلك تكون مياها جيدة وطاقتها النوعية والانتاجية جيدة، على عكس الآبار غير النظامية التي تكون قليلة الإنتاج وتعاني الملوحة والتلوث». 260 بئرا للشرب في القصيم يوجد في قرى ومراكز القصيم أكثر من 260 بئرا مخصصة للشرب، نسبة كبيرة منها تحت إشراف المديرية العامة للمياه، لكن الآبار الارتوازية والزراعية تتضاعف كثيرا أمام هذا الرقم، كون القصيم منطقة زراعية تنتشر فيها الآبار الارتوازية منذ سنوات طويلة ويصعب حصرها. ويري المهندس فيصل الفضل أن الطبيعة الجيولوجية والجغرافية لمنطقة القصيم تساعد كثيرا على حفر الآبار الارتوازية، وفي الآونة الأخيرة أصبحت هذه الظاهرة مقلقة، فلا تستغرب إن وجدت بئرا محفورة داخل منزل صغير، ومع مرور الأيام بات واضحا جدا انخفاض المياه الجوفية، وأضاف «رصدنا أخيرا عشرات الحالات التي تطلب حفر أمتار إضافية في الآبار، بحثا عن المياه بعد انخفاضها ويعود ذلك إلى كثرة النزف والهدر المائي». ويقول إن التنظيمات والتشريعات التي بدأ العمل بها قبل أكثر من عشرة أعوام، أدت إلى نتائج إيجابية جدا على المخزون الجوفي للمياه، وهذا يمكن ملاحظته من قلة طلبات الحفر الإضافي للآبار. أما استاذ الزراعة والمياه أمجد دهران فيؤكد أنه ومن خلال رصد علمي لكمية منسوب المياه الجوفية خلال ال30 عاما الماضية، لوحظ أن نسبة المياه الجوفية التي تجمعت وكونت مخزونا وطنيا هائلا على مدى مئات السنين قد انخفضت بشكل كبير جدا خلال فترة الثمانينيات الميلادية، وذلك بسبب عدم وجود تشريعات لحفر الآبار. ويضيف «الرصد يكشف أن منسوب المياه بدأ بالتحسن التدريجي، بعد صدور التشريعات المنظمة التي منعت وجرمت من يحفر بئرا دون الحصول على ترخيص نظامي من الجهة المختصة». ويؤكد مصدر مختص في المديرية العامة للمياه في منطقة القصيم أن هناك منعا كاملا لمنح تراخيص حفر الآبار تحت أي سبب، إلا وفق ما تقرره لجنة مختصة تتولى الرقابة والمتابعة.