شكلت كارثة سيول جدة العام الماضي، بوابة الانطلاق باتجاه العمل الطوعي الخيري للشباب الذين تدافعوا تلقاء أنفسهم لتقديم المساعدات للمتضررين من السيول. وهناك الكثير من الممارسات التي ينطوي تحتها العمل التطوعي، من مشاركات تقليدية، إلى مساعدة الآخرين في أوقات الشدة، وعند وقوع الكوارث الطبيعية والاجتماعية دون أن يطلب منهم ذلك، وإنما كرد فعل طبيعي دون توقع مقابل مادي عن ذلك العمل، بل المقابل هو السعادة والرضا عند رفع المعاناة عن كاهل المصابين ولم شمل المنكوبين ودرء الجوع والأمراض عن الفقراء والمحتاجين. «عكاظ» استطلعت آراء مجموعة من المنخرطين تحت لواء الفرق الشبابية في الندوة العالمية للشباب الإسلامي في جدة عن مفهومهم للعمل الطوعي، والدور الذي يمكن أن يضطلع به في تحقيق التكافل بين أفراد المجتمع الواحد. ثقافة التطوع من منظور مصطفى أحمد خرد رئيس قسم الفرق الشبابية في الندوة العالمية للشباب الإسلامي في جدة أن ثقافة التطوع في عالمنا الإسلامي لاتزال تتسم بدرجة متدنية من الفعالية، إذ لا يتجاوز عدد الجمعيات والمؤسسات الخيرية في العالم الإسلامي بضعة آلاف، فيما يبلغ حجم الإنفاق على المؤسسات الخيرية مجتمعة حوالى 300 مليون دولار سنويا، وهو مبلغ بسيط مقارنة مع عدد المسلمين في العالم الإسلامي. ويضيف خرد: كانت بداية الفكرة في توسيع نطاق ونشر مسمى التطوع منذ الحملة ضد الدنمارك وإساءتها للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، حتى وصل عدد الأعضاء المسجلين عن طريق «الفيس البوك» 4500 عضو، منهم 1500 عضو ميداني يعملون تحت مظلة الندوة، وفي خلال عامين ونصف كونت فرق تحت إدارات ورؤساء يضطلعون بدورهم من ناحية التخطيط والدراسة والتنفيذ. وما زال الشباب المتطوع في ازدياد إلى أن وصلت نسبة الزيادة 15 في المائة سنويا، مشيرا أن لكارثة سيول جدة العام الماضي، الأثر البالغ في دعم وتنمية روح التطوع بين الشباب واكتساب مهارات جديدة وتنمية الشخصية الاجتماعية وتكوين علاقات. الدعم المادي يقول خرد رغم معاناتنا من قلة الجهات الداعمة ماديا والتي لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، إلا أننا لم نفقد الأمل في الوصول للنجاح من خلال المثابرة والإصرار والتحدي وصولا لبعض الجهات الحكومية التي تساندنا في تسهيل مهام المتطوعين، إذ مازال مفهوم التطوع لم ينتشر بشكل واسع، وكجهة معنية بالأعمال التطوعية، أبوابنا مفتوحة لكل شابة وشاب من سن 1235 عاما يرغب في الأعمال التطوعية ولديه أفكار ومخططات ومقترحات، فضلا عن منحه وتزويده بالأفكار ودعمه بالمخططات والدراسات وتسهيل مهمته لأي فكرة تنبع لديه. البداية منذ الصغر وفي رأي عطية أبو الغيث القديمي العضو الفعال في مجموعة متعة العطاء الطوعية أن العمل الطوعي عمل إنساني في المقام الأول، وقد نما في داخلي هذا الإحساس منذ الصغر عندما كنت في السادس الابتدائي، حيث كنت أشارك في الأعمال التطوعية داخل المدرسة، ولصغر سني لم أدرك حينها ماهية هذا العمل أو مفهومه الأساسي. ويضيف عطية: بدأت أفهم الأمور على حقيقتها عندما وقعت كارثة سيول العام الماضي، والتي كان لها أكبر الأثر في تجديد مشاعر التطوع داخلي، كما فتحت وسائل الاتصال المتطورة آفاقا واسعة للتواصل فيما بيننا، وكانت الرسالة الأولى التي وصلتنا على الموقع من الندوة العالمية للشباب الإسلامي لمساعدة منكوبي السيول في جدة، وتم على وجه السرعة فيما بيننا كمجموعات داخل موقع «الفيس بوك»، إلى أن وصل عدد المشتركين إلى 200 شاب وشابة. ويشير عطية لموقف إنساني، وهو أنه كان مدعوا لمناسبة زفاف، وكان هناك الكثير من الورود الطبيعية داخل القاعة، وبعد انتهاء حفل الزواج استأذن صاحب الدعوة في أخذ الورود للاستفادة منها، وبالفعل رتبنا هذه الورود وأهديناها لسيدة في مستشفى الولادة وكانت في حالة سيئة لفقد جنينها ولكن عندما رأتنا، ارتسمت على شفتيها ابتسامة. احتياجات خاصة وقال أحمد محسن عبدالله (طالب): لم تكن فكرة العمل الطوعي واضحة تماما في ذهني، ولكن بتشجيع من صديقي فواز البطاطي، انخرطت في أول عمل طوعي لذوي الاحتياجات الخاصة في جدة. معونات غذائية ويشاطره زميله مجد أسامة البغدادي الطالب في الثانوية، بقوله فكرة العمل الطوعي جاءت من خلال الفرق الشبابية في الندوة العالمية عن طريق الإنترنت، وكان أول عمل شارك فيه توزيع المعونات الغذائية على المتضررين في كارثة سيول جدة وكسوة الأطفال. سيول جدة أما محسن عبد الرحمن بامجلي (جامعي) فقد كانت تنمية روح التطوع داخله عن طريق المدرسة مع زملائه متزامنة مع أحداث كارثة سيول جدة، ويقول «خالجني شعور وأنا أرى حجم الكارثة التي حلت على بعض الأسر»، مؤكدا من خلال هذه التجربة أن التطوع عمل إنساني في المقام الأول لا يشعر بقيمته إلا الذي يفعله. عن طريق الأسواق وكانت بداية اكتشاف فكرة التطوع بالنسبة لعبدالله محمد راجح (جامعي) عن طريق الصدفة في أحد الأسواق، وقال «أثناء التسوق لفتت انتباهي مجموعة شبابية في حملة تطوعية لصالح جمعية خيرية للأطفال، وأعجبت بعملهم من خلال شرح قائد الحملة في كيفية التطوع، وطلبت الانضمام دون تردد». تأصيل العمل الطوعي إلى ذلك أوضحت دانية آل غالب كاتبة اجتماعية أن هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها وهي أنه لا يستطيع العيش بمعزل دون الحاجة لبعضنا فحياتنا مشتركة، وهناك حقيقة أخرى وهي أن المرء قليل بنفسه كثير بمن حوله، وحقيقة ثالثة أعظم تأثيرا وهي أن الجنة لتساق إلى من سعى في قضاء حوائج أخيه المؤمن ليصلح شأنه على يديه، مؤكدة أن العمل الطوعي بوابة للدخول إلى الخيرات العظيمة، كما أن العمل الطوعي مؤشر على الجانب الإنساني في المجتمع، يعمق روح التكامل بين أفراده ويشجعهم على التعاون وتنمية روح الجماعة. وأضافت: العمل التطوعي ميداني وليس مادة خطابية محشوة بالنصوص الوعظية والعبارات الإرشادية التي غالبا لا تؤتي ثمارها، مشددة على ضرورة أن يكون هناك وعي وفهم وإدراك لماهية هذا النوع من العمل الذي يهدف إلى إبراز الوجه الإنساني للعلاقات والأعمال وترسيخ البذل والعطاء على أسس واعية ووفقا لأهداف واضحة، ووضعه في قوالب مرنة تجعل إمكانية التطبيق والتفاعل أمرا مؤكدا. كما لا بد أن يكون هناك دور تكريمي من قبل الإمارة والمحافظة والبلديات والشؤون الاجتماعية والشؤون الإسلامية ورجال الأعمال والمؤسسات الصحافية والإعلامية لرفع معنويات المتطوعين، فهذا أقل ما يقدم لهم ولجهودهم التي يبذلونها، وبغير التخطيط الجيد، لا يمكن تحقيق ما نصبو إليه. الرأي التعليمي ويرجع محفوظ الغامدي مدير تعليمي في جدة أسباب القصور في العمل الطوعي إلى المدارس التي قصرت بقصد أو غير قصد في تنمية هذا الجانب المهم في ثقافة وشخصية الطالب، فقد مرت فترة ركز فيها النشاط في المدارس على الرحلات، وفترة تم إغفال تلك الأنشطة وفي تلك الفترتين لم يستفد طلاب المدارس بسبب التخبط العشوائي إلى أن حدثت كارثة جدة، ومنها بدت الجامعات والمدارس في تدارك الأمر، لافتا لتنمية روح التطوع لدى الطلاب، وتكوين فرق لدراسة ثقافة التطوع تكون أشبه بفرق الكشافة المدرسية، وحث الطلاب من خلال الإذاعة المدرسية والنشرات التربوية وحصص النشاط على التطوع في خدمة المدرسة والحي حسب قدرات الأفراد وتوثيق الأعمال الطوعية للطلاب وبثها في الفضائيات حتى تكون حافزا للآخرين، ووضع جائزة تحمل اسم وزارة التربية للأعمال الطوعية يفوز بها كل من تتحقق فيه شروط الجائزة، وتكريم المتطوعين في كل مدرسة وحي وعلى مستوى المحافظة والمنطقة وصولا لاجتماع المتطوعين وتحديد أبرز إنجازاتهم.