رغم أن زعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق، هو من قال لمواطني جنوب السودان إنهم لو أرادوا أن يكونوا مواطنين درجة ثانية، فإن عليهم التصويت للوحدة، إلا أن الذاكرة الجمعية في شمال السودان تجاوزت ذلك، وانساقت وراء الجوانب الجاذبة في شخصية الزعيم المتمرد، بل واعتبرته رمزا للقوى الوحدوية في الحركة الشعبية، وأملا في تحقيق الوحدة للسودان عقب تقرير المصير. لكن جون قرنق، المولود في عام 1945م، لقي حتفه بطريقة دراماتيكية وهو في قمة نجاحاته وشعبيته، حين سقطت به طائرة هيلوكبتر عام 2005م، وكان عائدا من زيارة ليوغندا، ليصبح هذا الحدث الذي هز السودان وقتها، وأثار صدامات دموية بين الشماليين والجنوبيين عرفت ب«الاثنين الأسود»، محطة مأسوية وسط الشماليين المراهنين على الوحدة، ووسط الجنوبيين وخصوصا الأجنحة الانفصالية التي اعتبرته قائد التحرير الجنوبي. يعتبر جون قرنق، الذي درس في كلية جرنيل في ولاية أيوا، ثم تلقى تدريبا عسكريا في فورت بينينج جورجيا، أكثر زعيم جنوبي اتساما بالكاريزما الشخصية، واستطاع أن يصل إلى قيادة الحركة الشعبية بعد تخلصه من زعيمها الذي سبقه وهو ويليام نون. ومما يذكر لجون قرنق، أنه استطاع الحفاظ على تماسك الحركة الشعبية، بل وزيادة أفرادها من حدود 12 ألف مقاتل عام 1986 إلى نحو 60 ألفا مطلع التسعينيات الميلادية. لكن الإنجاز الأكبر لقرنق، هو توصله للاتفاق التاريخي مع النائب الأول لرئيس الجمهورية السوداني آنذاك علي عثمان محمد طه، الذي عرف باتفاق «نيفاشا» وتم توقيعه في 2005، الذي أقر بموجبه تقرير المصير لجنوب السودان في التاسع من يناير 2011. وأصبح جون قرنق نائبا أول لرئيس الجمهورية، ليحتل علي عثمان منصب (نائب الرئيس)، وفقا لاتفاق تقسيم السلطة. بعض المراقبين يقولون إن جون قرنق، المنحدر من قبيلة الدينكا أكبر قبائل الإقليم الجنوبي، محظوظ لأنه مات قبل الخيارات الصعبة اللاحقة، والتي ربما أدت لهز الكاريزما الخاصة به انفصالا أو وحدة. لكن مراقبين آخرين يقولون إن رحيله كان فاجعة، إذ يشيرون إلى أنه كان قادرا على حسم النتيجة بنفوذه وقبوله العام، وهو ما كان سيرجح وفقا للشماليين خيار الوحدة بين الشمال والجنوب.