يظل أمر توفير الرعاية الصحية هاجسا يحظى باهتمام الإنسان على اعتبار أن (الصحة) هي أغلى ما يملك. وفي ظل تراجع مستوى الخدمات الصحية في القطاع الصحي العام وارتفاع تكاليف العلاج في القطاع الصحي الخاص.. إضافة إلى اختلال التوازن بين العرض والطلب على الخدمات الصحية الذي أدى إلى استفحال ظاهرة الزحام في المستشفيات.. تبلورت المطالبة لتطبيق التأمين الصحي على السعوديين العاملين في القطاعات الحكومية.. وذلك بعد أن تم تطبيقه إلزاميا على غير السعوديين وعلى السعوديين العاملين في شركات ومؤسسات القطاع الخاص. سألني الزميل داود الشريان في برنامجه التلفزيوني الناجح (واجه الصحافة) عن السبب في عدم تطبيق التأمين الصحي على السعوديين حتى الآن. قلت إن الأمر الملكي الذي صدر بموجبه نظام الضمان الصحي التعاوني نص على أن يتم تقييم تجربة تطبيق النظام على غير السعوديين ومن ثم وبناء على نتائج التقييم يصار إلى تطبيقه على السعوديين.. وعملية التقييم هذه لم تتم حتى الآن بصورة علمية معمقة. أما السبب الآخر المهم هو أن تطبيق التأمين الصحي يجب أن يأتي في إطار منظومة متكاملة تضم البنية التحتية ليس لشركات التأمين فحسب، وإنما للمستشفيات والمراكز الصحية أيضا من حيث توفرها بما يتلاءم مع حجم الطلب على خدماتها ومن حيث جاهزيتها وجودة خدماتها.. بينما واقع الحال للأسف يكشف لنا عن عجز هائل في المستشفيات وأسرة المستشفيات.. و«الزحام» أصبح شديدا في المستشفيات العامة.. وكذلك في المستشفيات الخاصة التي يدفع الناس ماليا في مقابل الحصول على خدماتها. أصبح الحصول على سرير شاغر في أقسام العناية المركزة صعبا سواء في المستشفيات الحكومية أو الأهلية.. وكذلك الحال في المستشفيات الخاصة. إن الكثير من السعوديين حاليا يرغبون في الحصول على تأمين طبي مع استعدادهم لتحمل مبلغ الاستقطاع عن كل زيارة للطبيب.. وستشهد الأيام المقبلة ازديادا في أعداد الراغبين في ذلك والسبب هو تراجع مستوى خدمات المستشفيات الحكومية من جهة وغلاء أسعار خدمات المستشفيات الخاصة من جهة أخرى.. فيطالبون بالتأمين الطبي هربا من واقع حال المستشفيات الحكومية وتحاشيا لتكبد تكاليف المستشفيات الخاصة التي ينوء كاهلهم عن تحملها. وسألني مذيع آخر في قناة تلفزيونية أخرى بسذاجة قائلا: هل ترى أن الحل فيما يختص بتطبيق التأمين الصحي على السعوديين هو في تطبيق الاشتراكية الحديثة !!!. أدركت حينها أكثر أن البعض لا زالوا يجهلون ما هو التأمين وأن هناك حاجة ماسة لنشر مظلة الوعي بالتأمين الصحي وتعريف الناس بمفاهيمه وأهدافه ومقتضياته.. إذ ما هو دخل الاشتراكية في التأمين الصحي.. إنه بالفعل أمر مثير للضحك والسخرية. أو أن يهبط المذيع بحوار يتناول قضية هامة وهي قضية صحة الإنسان والتأمين عليها إلى طروحات شخصية ليس لها أية علاقة بقضية جادة أو بمناسبة سياق الحوار. فهؤلاء أساءوا لقضية التأمين الصحي والحاجة إليه لتوفير الرعاية الصحية للمواطنين. إن هناك حاجة ملحة إلى تنظيم حملات توعوية مبنية على أسس علمية تشرف عليها مؤسسة النقد العربي السعودي باعتبارها الجهة الرسمية المشرفة على قطاع التأمين ويشارك فيها مجلس الضمان الصحي وشركات التأمين.. ولعل من الضرورة بمكان إزالة معوقات الاستثمار في القطاع الصحي وتشجيع المستثمرين المحليين والأجانب لإنشاء مستشفيات في مختلف أنحاء المملكة.. فلا زالت هناك شكاوى من تعقيدات وروتين وبيروقراطية في هذا الصدد. ويجب أن يتوازى ذلك مع قيام وزارة الصحة ببذل أقصى الجهود لاستثمار فرصة الوفرة المالية التي تعيشها الدولة والفائض المتاح لإنشاء المزيد من المستشفيات بأقصى سرعة ممكنة وفي كل مكان على امتداد أرض الوطن.. ويمكنها تحقيق ذلك بالتعاقد مع شركات أجنبية صينية أو كورية أو غيرها. إلى جانب الاهتمام بمعالجة أوضاع مشاريع المستشفيات المتعثرة والتي ستختفي فيما لو تم التعاقد مع شركات أجنبية. فلقد تخلفت الوزارة سنين طويلة عن مواكبة الطلب المتزايد والاحتياجات المتنامية من الخدمات الصحية.. وأكبر دليل على ذلك مدينة جدة التي لم تنشأ فيها مستشفى حكومي عام منذ ما يقارب الخمسة وعشرين عاما.. في وقت تضاعف عدد سكانها أكثر من مرة خلال هذه الفترة !!. وتطبيق التأمين الصحي على السعوديين العاملين في قطاعات الحكومة ممكن على أن يتم تدريجيا وعلى مراحل.. ومن خلال إنشاء شركة تأمين حكومية تدار بطريقة اقتصادية وفق معايير منظمات القطاع الخاص تعمل إلى جانب شركات التأمين الخاصة.. وهذا ما هو حاصل بنجاح في أكثر من تجربة في العالم.. ولعل تجربة كندا أقرب مثال.