من الواضح أن توظيف غير السعوديين أخذ أبعادا مختلفة ليست وليدة الحاضر القريب، ولكنها ممتدة من عقود زمنية عدة. وتناول هذا الموضوع يعد من أصعب المواضيع الحساسة، وكأنه أريد له أن يتشعب ليصبح من أعقد الملفات التي تصعب مناقشتها. لكن مع ذلك لا بد من طرح هذا الملف بما له من حساسية من أن يناقش بمنتهى الموضوعية والعقلانية، وعلينا وعلى الإخوة غير السعوديين تقبل الحقائق أيا كانت إذا اقتنعنا بالفعل بأن الموضوعية هي جوهر الطرح والنقاش. جوهر القضية ينبع من اختلاف وجهات النظر لجهات التوظيف المباشرة وغير المباشرة، فلو تناولنا موقف جهات التوظيف المباشرة مثل الشركات الخاصة أو الشركات شبه الحكومية أو الشركات المساهمة برؤوس أموال مختلطة، أي ما بين الحكومي والخاص، لوجدنا لب المشكلة، فهناك عدد من الوظائف بالمستويات الإدارية المختلفة أو الوظائف ذات الطبيعة الفنية من تلك التي يمكن إشغالها بكوادر وطنية، لكن يتعجب المرء حين يلاحظ أن هذه الوظائف مشغولة بكوادر غير سعودية، ويزيد العجب وتزيد الدهشة حين ينظر إلى الراتب والمزايا. ولا بد أيضا في هذا السياق من الإقرار بأن المملكة ولمكانتها الإسلامية والقومية، يفترض أن تخصص نسبة من الوظائف لغير السعوديين، هذا إلى جانب الحاجة في أوقات كثيرة لمعايير الخبرة والمهنية ولعناصر التكلفة. بيد أن الصعوبة لا تكمن في الإقرار بمثل هذا المبدأ، إنما تأتي من عكس تناول هذه المعادلة لتصبح النسبة الضئيلة للسعوديين، بينما أغلب النسبة مخصصة لغير السعوديين. مشاهداتي خلال سنوات عمري الوظيفي تحمل عددا من المشاهد المؤلمة في هذا الخصوص، فالكثير من الوظائف التي يمكن إشغالها بكوادر وطنية مثل مديري المشتريات ومديري التسويق والمبيعات إلى مديري الموراد البشرية ومديري الإدارات المالية، تكاد تكون محجوزة لغير السعوديين خصوصا في الشركات المتوسطة، أي التي لا تزيد رؤوس أموالها على 500 مليون ريال، ولا نستثني بعض الشركات الكبرى أيضا. أتذكر مثلا قبل عشرين عاما تقريبا ومع تزامن حدوث أزمة احتلال العراق للكويت تأزمت الأوضاع المالية لمعظم الشركات، ولجأ الكثير منها إلى سياسة التخلص من الكوادر الوظيفية، وما أثار الانتباه في تلك الفترة هو أن بعض الشركات تمسكت بعناصر أجنبية وغير عربية، وبدأت بالكوادر الوطنية أولا ثم العربية، مع أن هناك فئة من أولئك الموظفين الأجانب كانت تشغل وظائف ادعت بعض الشركات آنذاك باستغنائها عنها، ومع ذلك احتفظت بأولئك الموظفين الأجانب وسرحت من مثلهم من السعوديين والعرب دون فهم لهذه الظاهرة التي لم ينجح أحد في تفسيرها حتى الآن. وللأسف لا تزال هذه الظاهرة متمثلة وتكاثرت مع انتشار الشركات. فهل يعقل أن نجد أبناءنا وهم يتخرجون من الداخل والخارج ينظرون بحسرة إلى ما تفعله الشركات بهم، ومن ثم ندعي ظلما بأن المملكة لديها بطالة. [email protected]