كنت قد ناقشت من قبل ولأكثر من مرة مشكلة التعليم الجامعي لدينا، إلا أنني تناولت القضية من منظور إداري، إذ تعرضت لهيكلة إدارات جامعاتنا الوظيفية، وقد نبهت إلى عدة أخطاء وتجاوزات سواء على صعيد تحقيق الهدف من الجامعة لخدمة المجتمع، أو قصور مساهمتها في تجسير الفجوة بين مخرجاتها واحتياجات سوق العمل. وأشرنا إلى تجاوزات خطيرة في إدارات الجامعات أو في بعضها حتى لا نكون من التعميميين تتمثل في شيوع وانتشار، بل ورسوخ منهجية شخصنة السلطة، وإن كان هذا داء يكاد يكون عاما في مؤسساتنا، إلا أن انعكاساته السلبية في إدارة الجامعات تجعل منه خطرا يهدد كيان الجامعات، بل ويتجاوزها ليهدد مؤسسات الدولة كلها التي تتعامل مع ما تضخه فيها هذه الجامعات، ليس من الخريجين الجدد، بل من بعض أعضاء هيئة التدريس الذين قفزت بهم شخصنة السلطة الإدارية إلى مواقع إدارية عليا، دونما اعتبار لمؤهل علمي أو خبرات علمية، أو تجارب تصقل شخصياتهم. ونبهنا أكثر من مرة إلى أن هذا المنهج سيبث في التعليم الجامعي العملة الرديئة ويطرد العملة الجيدة. ولعل عزوف بعض الأساتذة عن التدريس والاتجاه إلى الأعمال التجارية، أو الوظائف الإدارية في القطاع الخاص، وإحباط بعض من لا يزالون يمارسون هذه المهنة على مضض وكره، يعود إلى ما ذكرنا.. نعم ثمة الكثير غير هذا من أوجه القصور في التعليم الجامعي مما ذكرت، وما لم أذكر، ومما ذكره بعض من يقبضون على الجمر، وأعجزهم الصمت وفتت أكبادهم حرقة وكمدا. حسنا.. نستطيع أن نتفق جميعا على أن الأخطاء ومواطن القصور في إدارتنا الجامعية مسألة سهلة العلاج، لا تتطلب أكثر من قرارات تضع الرجل المناسب في الموقع المناسب، وفي الوقت المناسب وفق مبدأ الكفاءة والقدرة والاستعداد. ثم ثانيا تفعيل النظم وجعلها هي الحكم والمعيارية مع الأخذ بلا هوادة بمبدئي الثواب والعقاب بلا مجاملة أو تحيز. وإحكام الرقابة، وإعادة ترتيب جدول الأولويات في المشروعات الجامعية، لأن سلم هذه الأولويات يعمل مقلوبا، إذ نجد أن البنود الإدارية لا تكاد تترك للمناشط الأكاديمية العلمية والبحوث إلا الفتات من موازنة الجامعات، وهذا أمر يدعو إلى الدهشة والاستغراب حقا. وأرى ثمة مبررا لأن تصرف الدولة بسخاء لإنشاء جامعات في هذا البلد، ثم تستأثر المناشط والعمليات الإدارية بموازنتها، لتجد الجامعة في نهاية الأمر نفسها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها الأكاديمية والعلمية، وبالتالي مكبلة ومحرومة من أن تؤدي أو تقوم بوظيفتها التي ما أنشئت الجامعة في الأساس إلا من أجلها. ولكن، وعلى كل حال، فإن مواطن الخلل والقصور الإدارية مقدور عليها وتسهل معالجتها، قياسا بمشكلة أخرى، أعدها من وجهة نظري أكبر، لأنها تتعلق بشكل مباشر بالأستاذ الجامعي نفسه. وإن كنت أحب أن نضع في الاعتبار أن هذه المشكلة وإن كانت تتعلق بشكل مباشر وبصفة خاصة بالأستاذ الجامعي، إلا أنها في الأساس مشكلة عامة تتصل بفلسفة التعليم عندنا، وبفهمنا لوظيفة العملية التعليمية. وينسحب هذا الفهم للتعليم بسلبياته كلها على عملية التدريس، ليشمل مناهجها وآلياتها ووسائلها. ولنا عودة إن شاء الله. * أكاديمي وكاتب سعودي. www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة