كلما مضى بك العمر اشتقت إلى سنواتك الأولى، وتدلل على اشتياقك بزيارة مرابع الطفولة. ولهذا أجدني كلما وصلت إلى مدينة الرياض (في مناسبات مختلفة) أحرص على زيارة الأماكن التي تواجدت فيها في مرحلة الطفولة، صحيح أن المكان بقي وحصلت له تغييرات جذرية إلا أن بقاءه جزء من ذاكرة جمعية لا يمكن الاستهانة بها يحدث هذا عند المجتمعات التي تثمن بقاء الأثر بينما الذاكرة العدمية تحرص على الإزالة والمحو. أذكر أن أولى زياراتي للرياض بعد فراق دام لسنوات طويلة حرصت على زيارة المدرسة التي درست فيها في المرحلة الابتدائية (وكان اسمها ابن رشد) فلم أجد لها أثرا حيث تم إلغاء اسم ابن رشد كونه مارقا وزنديقا وهذه الصفات الاقصائية قدمت من الفكر المتشدد الذي أراد إغلاق الحياة من جميع منافذها فبعد أن سيطر على المجتمع بهذا الانغلاق أخذ يلتفت إلى رموز الأمة ومحاسبتهم تاريخيا وإلغاء وجودهم من خلال الطمس أو تغيير المسميات. وماحدث في حائل من تغيير مسمى مدرسة حاتم الطائي إلى مدرسة حاتم (كون الطائي شخصية جاهلية) هو التنطع بعينه وهو استكمال لحالات الانغلاق التي يعيشها البعض. وليس هناك أضر على الناس والحياة من التنطع، فالتنطع هو المرادف اللغوي للتشدد وكره الحياة الذي يستوجب محو كل ماله علاقة بما لا تحب ليبقى ماتحب عنوانا على استبدادك وانغلاقك الفكري. وهذا شأن ضيقي الصدور والعقول في آن. وفي كل يوم تجد هؤلاء المتنطعين يلغون شيئا من ذاكرة الأمة سواء أكان أثرا أو اسما أو موقعا، وهم بهذا الفعل يفرغون الحياة من ماضيها ..ولم يقتصر فعلهم على الرموز التي سبقت الإسلام، بل طالت الرموز والمواقع الإسلامية بحجة تنقية العقيدة وهي حجة لا تصمد كثيرا مع الأفعال التي يمارسها بعض ضيقي الأفق ومع ذلك تجد المباركة والتأييد على ممارسة أفعال أقل ماتحمله من صفات صفة الجهل. وإذا كانت مجموعة من وزارة التربية والتعليم تقوم بتغيير مسميات المدارس (في مواقع مختلفة من البلد) بحجج واهية فهذا يعني أن التعليم لايزال مخترقا من فئات متشددة بالرغم من الرسائل التي نتلقاها يوميا من أن وزارة التربية والتعليم استبعدت المغالين أو المتشددين من مواقع الدرس وتحويلهم إلى الإدارات. فإذا تحولوا إلى الإدارات عبثوا في القرارات الإدارية بتغيير مسميات المدارس وفي أحيان بشطب رموز ثقافية (عبر التاريخ) أو بانتقاص فئات من تيارات إسلامية مختلفة. إن تغيير مسمى مدرسة؛ (كون الاسم جاهليا كحاتم أو فيلسوفا مختلفا عليه كابن رشد) هو عنوان أو خيط صغير لو تم جذبه أو تتبع مصدره سيكشف أن التعليم لايزال مخترقا من قبل هؤلاء المتشددين المضيقين للحياة ليس بيقينهم بل بضيق أفق عقولهم. فمتى يعرف هؤلاء أن الحياة تسير بسرعة فائقة تستوجب فقها ملائما لهذه السرعة وليس التخندق في أفكار ظلامية لن تصمد أمام جريان الحياة ..متى يبصرون؟ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 159 مسافة ثم الرسالة