كلما استمعت إلى آراء زميلنا الشاعر عبده المصري، والصديق المثقف ناظم منصور، وعدد آخر من الأصدقاء فيما يقرأونه من أعمال إبداعية، خاصة في مجال الرواية، اقتنعت بما أسميه نظرية القارئ الكبير المرادفة لكلمة الكاتب أو الشاعر الكبير، التي تطلق على المبدعين حين يجودون بأعمال جليلة وإضافات حقيقية للقراءة الممتعة والمعرفة عموما. هذا النوع من القراء، في الحقيقة، لا يكتفي بقراءة منجز سابق عن نص ما كتبه ناقد محترف، وإنما يبحث بنفسه داخل النصوص، مستخرجا جمالياتها أو حللها ومدافعا عن رأيه بشدة، وكل ذلك من دون أن يدعي النقد أو ينسب صفة الناقد إلى نفسه، والحق كانت لهؤلاء القراء الكبار آراء عظيمة حيرتني في نصوصي الخاصة ونصوص أخرى لكتاب آخرين، ولا أنكر أنني استفدت كثيرا من تلك الآراء في سعيي الدؤوب لتطوير عملي الكتابي. أيضا كانت لهؤلاء القراء انتباهات قوية لم ينتبه إليها النقاد الأكاديميون، الذين صنعتهم نقد النصوص ومقارنتها وفتحها للقارئ الذي ربما تستعصى عليه، وأيضا بطريقة عادية وبلا ادعاء أنهم فعلوا شيئا. وقد نبهني عبده المصري إلى ما سماه توازي الشخصيات أو تحولها في إحدى رواياتي، بمعنى أن شخصية اندثرت تركت شخصية وليدة تسير مسارها، ونبهني ناظم إلى عدد من التقنيات في رواية صائد اليرقات وانتبهت إليها ولم أكن أقصد أبدا كتابتها هكذا. أذكر في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، حين أنجزت روايتي الأولى (كرمكول والحصانة القروية)، وطرت بها فرحا كأي عمل أول، ذهبت إلى مثقف مصري اسمه محمد الشيمي يسكن قريبا مني في طنطا، وكان معروفا بقراءاته التي لم تترك كتابا إلا نبشته، بالرغم من أنه لم يكتب حرفا ولا سعى لتدوين آرائه، التي يبعثرها في المقاهي، في شكل مقالات أو أعمدة صحافية، وقد أتيحت له فرص كثيرة لذلك. كنت أبحث عن جواز مرور تمر عبره رواية كرمكول، أو أنفض يدي من الكتابة تماما. قرأت للشيمي في بيته روايتي كاملة وعلى مدى خمس ساعات لم يرمش له فيها رمش، وحين انتهيت من القراءة خاض معي نقاشا طويلا، ثم منحني تصريحه لطباعة الرواية. الآن أتذكر ذلك القارئ الكبير بعد مضي سنوات طويلة، المثقف الذي يعرف ربما أكثر من الذين حرفتهم المعرفة. للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 الاتصالات أو الرقم 636250 موبايلي أو الرقم 737701 زين تبدأ بالرمز 104 مسافة ثم الرسالة