مضى سريعا عام كامل على غياب أبي النور عثمان أبكر، ذلك الشاعر العظيم، المتطرف في عزلته، المتطرف في قراءته وكتابته، ووده للأصدقاء، وما زال وجهه المحتقن بإرهاصات الرحيل، ماثلا أمامي، كأن ذلك كان بالأمس وليس منذ عام كامل. لم يكن النور عثمان تجربة شعرية متفردة فقط، لكنه كان تجربة إنسانية كبيرة، وأحد أعمدة القراءة والتذوق في هذا الزمان الذي قلت فيه القراءة، وندر التذوق، وأصبحت الثقافة مجرد درب هامشي غير مرصوف لا يعبره إلا القليلون، وفي مكتبته التي لم تكن رفوفا عادية، تتغبر فيها الكتب، وإنما بيت كامل بغرفه وأركانه ومطبخه، كنت تعثر على الكتب مفتوحة كلها، ومخطط عليها كلها، ولا بد قرئت وهضمت، وأنتجت ذلك المثقف النادر، ومن هذه المكتبة الكبيرة بالذات، تعرفت شخصيا على كتابات لم أكن قد سمعت بها من قبل، قرأت كتبا من فرنسا وألمانيا والشرق الأقصى، مترجمة، واستمتعت بدواوين شعر من نظم الأولين والآخرين، كانت موجودة في تلك المكتبة، وبرغم حرص النور على كتبه ورعايتها رعاية أبناء وخوفه من ضياعها، إلا أنه لم يكن يمارس ذلك الحرص معي، كان يمنحني أي كتاب أريده، ولكن بشروطه دائما، أن يعود الكتاب إلى بيته في النهاية. أول علامة للفقد لاحظتها، هو غياب النور في معرض الدوحة الأخير للكتاب، فقد كانت ثيابه المحلية البيضاء الواسعة وعمامته وشاله المميز، من العلامات التي تشاهدها يوميا في معرض الكتاب، وأيديه المحملة بالكتب دائما ما تصادفك، وكان دائما ما يبحث عن الجديد، وإن لم يعثر على جديد يستحق قراءته، يشتري كتبا هي موجودة عنده من قبل، ويعرف أنها موجودة، لكن حب الكتب ما يشده إلى اقتنائها من جديد. شخصيا استفدت كثيرا من الراحل العظيم، كان أول مثقف كبير ألتقيه حين قدمت إلى الدوحة، عرفت بوجوده وخابرته، وجاءني، ذلك المجيء الذي رصف لصداقة امتدت بيننا خمسة عشر عاما. وكانت تجاربي الكتابية، تذهب إليه أولا قبل أن تذهب إلى أي مكان، هو من يقرأها، من ينبه إلى حسناتها وعيوبها، ومن يعدل أخطاءها إن كانت ثمة أخطاء، وحين أعطيته روايتي مهر الصياح، وجلست أنتظر رأيه، لم يجعلني أنتظر كثيرا، هنأني على الرواية، وحثني على اعتبارها بداية لنهج جديد من الكتابة، وقد كان حين تغيرت كتابتي بعد مهر الصياح. كثيرة هي المواقف التي جمعتني مع النور، كثيرة لقاءاتنا ونقاشاتنا، وما يمكن أن يصنع كتابا كاملا، وهذا بالضبط ما أنوي عمله، أن أكتب شعرية النور وإنسانيته في كتاب. للتواصل أرسل رسالة نصية SMS إلى الرقم 88548 الاتصالات أو 626250 موبايلي أو 727701 زين تبدأ بالرمز 104 مسافة ثم الرسالة