استحضر معرض «نبض فنان» المقام حاليا في صالة داما آرت في جدة تاريخ وإرث التشكيل السعودي مشكلا محطة فنية تعيدنا إلى زمن الفن الجميل الذي بدأ من أكثر من 50 عاما. وقدم المعرض الذي أطلقته صاحبة السمو الأميرة لولوة بنت محمد بن عبد الله آل سعود الثلاثاء الماضي على هامش افتتاح الصالة التشكيلية داما آرت فنانين تشكيليين سجلوا حضورهم في التشكيل السعودي بأكثر من 40 عملا فنيا و 12 منحوتة. وقد يكون السبب في تميز المعرض هو اختيار مدير الصالة الفنان أحمد حسين للمشاركين في المعرض الذين مثلوا مدارس تشكيلية مختلفة بدءا بلوحات الفنان الراحل عبد الحليم رضوي الذي أبهر الكثيرين بإقحامه لعناصر الخيل والطائر في كثير من أعماله وتطعيمها بمجموعة من الزخارف الإسلامية والمقتبسة من التراث الجميل للمملكة وبألوان هادئة ومتناغمة وفي عمل المرحوم علي الغامدي «القرية القديمة» قدم فيها أبناء القرية وهم يتطلعون ويشوقون إلى مستقبل أكثر رحابة وتطورا بنظرة أمل في المستقبل بألوان تعطي الإحساس بسكون الليل وهدوء القرية وفي لوحة المرحوم محمد سيام جعل المتلقي أكثر حيرة عن مايدور في داخل هذه اللوحة فتارة تتحدث عن الصحراء وعن رمال صحراء النفوذ وتارة تجدها تلك الحروف المتناغمة والمتناثرة على اللوحة بأسلوب هندسي قريب من الكتابة ويظل سر هذه اللوحة مغيبا طالما غاب من أبدع في تكويناتها. أما الدكتور فؤاد مغربل فجرد في لوحاته المقدمة الحارة القديمة ورواشينها وأزقتها بإيقاعات الألوان البنية في أحد أعماله وتجريده للون الأزرق ومشتقاته في لوحة أخرى. وقدم الأكاديمي الدكتور حمزة باجودة مجموعة من الأعمال إحداها رسمت عام 1397ه رمز فيها الحارة القديمة وتلك الحميمة التي كانت في علاقات الناس في زمن قد اختلف كثيرا باختلاف إيقاع الحياة السريع كما قدم أعمالا تجريدية بمساحات لونية تدعو للتأمل من المتلقي في أعماق ذلك اللون وفضاءاته الواسعة بدلالات تنبئك بعالم متغير لما بعد الحداثة اللونية. وقدم بكر شيخون وكعادته تك الأعمال المفاهمية التي تحمل فكر فنان والتي لفتت انتباه الجمهور من محبي ومتذوقي الفن التشكيلي بتركيباته غير المتجانسة والمتباعدة في الرمز ليعطيك مدلولا على نضج تلك التجربة وتجاوزه الكثير ممن سبقوه في هذا المجال فهو فنان يبحث عن أسلوب جديد ربما لم يتطرقه غيره وهذا مايمز أعماله ويحقق معادلة ندرة مايقدم من فن. أما عبدالله حماس فقدم أعمالا تشكيلية زخرفية لبيئة منطقة عسير التي اشتهر بها الفنان ووصل بها إلى دول عالمية كثيرة كأحد سفراء الفن السعودي في الخارج وقدم عملا آخر من أعماله في معرضه الأول قبل أكثر من 40 عاما ليبرهن أن أسلوبه الزخرفي استمر معه منذ بداياته إلى الآن وبنفس الفكر مما جعله تجربة تشكيلية وبصمة فنية في التشكيل السعودي ولم يخلو المعرض من إبداعات رئيس الجمعية السعودية للفنون التشكيلية السابق الفنان عبدالرحمن السليمان مقدما عملين تجريديين خاطب بهما المتلقي عن طريق إيحاءاته اللونية وتقنيته المتفردة. وقدم سعد العبيد لوحة الخيال التي عدت علامة في المعرض بمجموعة ألوانها التكوينية وفي آخر المعرض استطاع مدير الصالة أن يلفت انتباه الحضور بركن للفنانة منى القصبي وبأسلوب متفرد جعل زوار المعرض يكتضون على لوحتها «بقايا تراث» عندما جسدت الزخارف والتراث البيئي بترميز وإيحاءات غير متكلفة على خلفية اللون الأسود في تجانس لوني وتناغم عنصري استطاعت من خلاله توصيل رسالة للمتلقي بأن الفن أبسط وأسهل مما يتخيله الكثير.