ينتقد طاش كبرى زاده في كتابه «مفتاح السعادة»، ما كان يجري في عصره (القرن العاشر للهجرة) بين متعصبي الأشاعرة والحنابلة من تبادل الاتهامات بالتكفير لأشخاص قضى عليهم الموت في كلا الجانبين، فيقول: «إلا أن هذا منكر من القول وزور، إذ الأئمة المعتبرون من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة والأشاعرة، مذهبهم على أن لا يكفر أحد من أهل القبلة، فلم هذا التعصب؟ ومالنا لا نسكت عن أقوام مضوا إلى ربهم ولم ندر على ماذا ماتوا؟ هذا الذي فعلوه والله ما لا ينبغي». كأني بما يقوله زاده يصف حاضرنا، لأن هناك أناسا يتربصون بالأموات ليقذفوهم بالتهم ويشنعوا عليهم ويأخذوا في سرد أخطائهم ويودون لو استطاعوا حبس الرحمة عنهم، فالترحم على أموات المسلمين يقلقهم!! في بعض الكتابات الإسلامية المعاصرة يرد القول بأن المسلم قد يخلط عملا صالحا وآخر سيئا، (فيحب ويوالي على قدر ما معه من الخير، ويبغض ويعادي على قدر ما معه من الشر)، وغالبا ما يدعم هذا القول بالتأكيد على أن هذا (هو الأصل الذي عليه أهل السنة والجماعة). ولا أدري أين هو هذا المسلم الذي ينجو من العمل السيء فيكون عمله كله صالحا!!. وإذا كانت فطرة البشر أن يجتمع فيهم الخير والشر، فهل هذا يعني أن يعادي الناس بعضهم بعضا وأن يتباغضوا فيما بينهم لذلك؟ في إثر وفاة غازي القصيبي ومن بعده محمد عبده يماني رحمهما الله، لما تداعت أقلام بعض الكتاب بالكتابة عنهما بالخير والدعاء لهما بالرحمة والمغفرة، لم يعجب ذلك البعض الآخر من الناس، فأخذوا يحتجون على الترحم على أولئك الأموات زاعمين أنهما كانا على غير طريق الحق، متهمين أحدهما بالعلمانية والآخر بالصوفية، وأن ذلك يعد مبررا كافيا أن يحجب الترحم عليهما!!. هو موقف يثير الاستغراب كما يثير السخط، لم هذا البغض إلى حد التحريض على عدم الترحم على الأموات؟ فحتى على افتراض الوقوع في الذنب، وكلنا واقعون في الذنوب، ما الخطأ في ترك الناس يستغفرون للمذنب ويطلبون له الرحمة!! لم البخل على الأموات بأن يرحمهم الله وأن يغفر لهم؟. كأني بالكارهين للترحم على الأموات، يخشون أن يستجيب الله الدعاء فيغفر لهم ويدخلهم جنته وينجون من عقابه، وهم لا يريدون لهم هذه العاقبة، هم يريدون أن ينالهم العذاب والعقاب، إمعانا في البغض والكراهية واعتزازا بذلك الشعور لأن تربية البغض في الصدور وإظهاره والتعبير عنه لفظيا أو فعليا، يكاد يجعله البعض طقسا من طقوس العبادة، ودليلا من أدلة التدين، فهو يظهر في بعض الكتابات الدينية على أنه عمل خالص لوجه الله يؤجر عليه فاعله، ولذلك يكثر في تلك الكتابات الحث على بغض المخالفين باعتبار أن البغض لهم (عبادة) لله، وأن الغلظة في التعامل معهم عمل خير يفتخر به. وأن المسلمين يجب عليهم أن يكون فيهم غلظة وقسوة على المخالفين، وما شابه ذلك من أفكار تنضح بالعدوانية والتلذذ بالتعدي والإيذاء. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة