ما كنت لأكتب عن فعالية ثقافية أنا محورها، لكن ذلك كان حدثا غريبا أو نادرا يستحق الإشادة بالقائمين عليه.. كانت مفاجأة عندما عرفني الطرف الآخر الذي يكلمني بواسطة هاتفه المحمول بنفسه عندما قال لي: محدثك أخوك إبراهيم بن حسن الذروي شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع التابعة لمحافظة صبيا في منطقة جازان، قلت: أهلا وسهلا.. قال: لي عندك طلب أعتقد أن تلبيته ليست صعبة عليك.. قلت له: ابشر إذا كان ذلك ممكنا.. قال: طلبي منك أن تستجيب لدعوتي باسم «ديوانيتي الثقافية» التي سبق أن شارك في إحيائها عدد من شعراء منطقة جازان.. قلت: يا شيخ بيني وبينك بحر وأمواج ورياح وثعابين سود من الطرق الطويلة المزفتة.. قال: ذلك لا يصعب عليك بصفتك ابن بحر وأنا أريد أن تنثر على مائدة ديوانيتي شيئا من أملاح بحرك.. قلت له: أحيانا يخونني مقياس مقادير أملاحي.. قال: ذلك لا يهم سنتقبلك بكل علاتك.. عندها وجدت نفسي لا أملك إلا الموافقة بعد أن أغلق علي جميع منافذ الاعتذار وعندها تذكرت مطلع تلك القصيدة التي تعتبر من عيون الشعر العربي لشاعر قديم ينتمي شيخ الحسيني إلى جذوره هو القاسم بن علي الذروي: ما لصب هاجه نشر الصبا لم يزده البين إلا نصبا وأسير كلما لاح له بارق القبلة من صبيا صبا كان موعد الديوانية مساء يوم الخميس الموافق 26/ 12/ 1431ه يتوافق مع مباراة نصف النهائي في خليجي 20 بين منتخبنا الوطني ومنتخب دولة الإمارات العربية المتحدة.. قلت في نفسي: لقد أخطأ القوم في التوقيت لمعرفتي بشغف جماهيرنا بعشق «المستديرة» وخصوصيتها الوطنية في تلك الليلة لكن المفاجأة ألغت كل توقعاتي وظنوني عندما دخلت قاعة الديوانية الفسيحة التي كانت تضيق بالحضور من عشاق الشعر والأدب من مختلف مدن وقرى المنطقة وهي أول مرة بالنسبة لي أجد فيها انتصارا للثقافة على الرياضة بشكل عام وعلى كرة القدم بشكل خاص. أنا قلت: الديوانية ولم أقل الأمسية الشعرية؛ لأن الأسلوب الذي أدار به الدكتور حسن حجاب الحازمي دفة اللقاء قد كسر روتينية الأمسيات المألوفة وأكسب الطرح حيوية أتاحت للحاضرين حرية المداخلة بين كل فقرة شعرية وأخرى من حيث التغلغل في أعماق الشاعر وخصوصياته المسموح بها وهي خصوصيات شملت النشأة والبدايات والمؤثرات، بل تجاوزت ذلك إلى جغرافية المكان وتاريخه وعادات أهله وتقاليدهم باعتبارها من العناصر التي تؤثر في تكوين الشاعر.. كان كل شيء في الديوانية خارجا عن السائد والمألوف والأكثر غرابة أن شيخ شمل هذه القرى قد جعل من الثقافة هما اجتماعيا وشعبيا يحمل الشعر «الفصيح» رايته ويفتح آفاقا لجموحه الأنيق ورفرفاته الملونة في الذائقة الشعبية.. فهل يفعل المشائخ الآخرون ما يفعله هذا الشيخ المثقف؟. للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو زين 737701 تبدأ بالرمز 101 مسافة ثم الرسالة