ضبط الفتوى، الحوار والتسامح والعلاقات مع الآخر، وتعزيز الأمن الفكري، ومحاربة الغلو والتطرف وتكريس مبدأ الوسطية.. أربع قضايا فكرية وفقهية شهد العام الماضي ضوابط لها. وتبقى التطلعات قائمة في المحافظة على تلك الضوابط للقضايا الأربع، ففي مجال الحوار والعلاقة مع الآخر، يؤكد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي أن الحوار وسيلة فاعلة في معالجة المشكلات الكبرى التي تعاني منها البشرية، وجسر متين يحقق تعاون الدول والمنظمات والمجتمعات على اختلاف ثقافاتها، فيما تجتمع عليه من قيم إنسانية مشتركة تحقق العدل والأمن والسلام البشري، مشيرا إلى أن الحوار بديل عن دعوات الصراع بين الحضارات، التي تهدف إلى العبث بالعلاقات السلمية بين الشعوب، وأنه من الوسائل التي تعين على دحض الافتراءات عن الإسلام، وتهميش القوى التي تحرض عليه وتصفه بأنه عدو للحضارات، لتستعدي الناس عليه وعلى أتباعه. وأوضح الدكتور التركي أن ما تسعى إليه المؤسسات المهتمة بمجال الحوار بين أتباع الأديان والحضارات والثقافات الإنسانية، ومنها الرابطة، يتوافق مع اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي دعا العالم إلى الحوار لترسيخ الأخلاق الفاضلة والقيم الإنسانية السامية، والاهتمام بشؤون الإنسان والأسرة التي هي أساس المجتمع بما يحفظ كرامة الإنسان ومكارم الأخلاق، ويعزز التعاون والتعايش بين الشعوب. ضبط الفتوى وفي مجال «ضبط الفتوى»، يوضح إمام وخطيب المسجد الحرام والأستاذ في جامعة أم القرى الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس أن المتأمل في تاريخ الأمة يجد أن ضبط الفتوى منهج شرعي، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبين الفقهاء من أصحابه، ويحث على الأخذ منهم، فيقول: «أفرضكم زيد، وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ». وأكد الدكتور السديس أن الأمر الملكي بحصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء كان حازما في منع التجاوز على المؤسسات الشرعية، ويسد السبيل أمام أطماع من أراد بآرائه وفتاواه مكاسب شخصية، مبينا أن صدور أمر خادم الحرمين الشريفين وتوجيهه السامي بحصر الفتوى جاء في وقت عصيب، ومنعطف خطير، فكان هو العلاج الناجع الذي سيكون عونا للجهات التنفيذية، وعونا للعلماء والمفكرين وفقهاء المملكة لدرء هذه الفتنة عن الوطن، ولنتمكن من الاستمرار في معركة البناء والتنمية والتواصل في خدمة الوطن والإسلام والمسلمين. محاربة الغلو وفي ملف محاربة الغلو والإرهاب وترسيخ مبدأ الوسطية، فقد حدد نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور عبد الله بن بيه مجموعة من الضوابط للمشروع الإسلامي المقترح لمحاربة الإرهاب، موضحا أنه يتكون من عدة نقاط، أهمها: تحديد مفهوم الإرهاب والسلوك الإرهابي، والتمييز بين الدفاع عن الأرض والعرض، وإبراز ثقافة التسامح الإسلامية، وتصحيح المفاهيم المغلوطة في المنظومة المعرفية والتربوية وبخاصة مفهوم الجهاد، والتأكيد على الشفافية في قضية الاتهام الموجه إلى الأفراد أو الدول، واحترام حقوق الإنسان وسيادة الدول في هذا المجال، ومعالجة مشكلة الفقر والخصاصة، واحترام حقوق الدول الفقيرة في النمو الذاتي، واحترام التنوع الحضاري والديني والثقافي للبشرية، باعتباره عامل إثراء وانسجام وليس عامل تصادم وتباين، وتبرئة كل الديانات من وصمة الإرهاب وفي طليعتها الدين الإسلامي، والدعوة إلى حوار حضاري معمق، ومعالجة الظلم في العالم، وإيجاد حلول لقضايا القهر وانتهاك السيادة في العالم الإسلامي، وتحديد الإصلاح المنشود دوليا ومحليا، وإيجاد آليات تعاون أمني تنساب فيها المعلومات بشكل متبادل بين الدول. ورأى الدكتور بن بيه أن مفهوم الإرهاب المتداول هذه الأيام لا يبتعد كثيرا عن مفهوم الحرابة، لكن لا يمكن مع ذلك إغفال النية السياسية لبعض قضايا الإرهاب، فيكون بذلك جريمة بغي وخصوصا عند مالك الذي لا يشترط لجريمة البغي أن يكون الباغي جماعة بل الواحد يكون باغيا إذا اعتمد طريق العنف. الأمن الفكري أما مجال «تعزيز الأمن الفكري»، فيوضح المشرف العام على برنامج كرسي الأمير نايف بن عبد العزيز لدراسات الأمن الفكري الدكتور خالد بن منصور الدريس أن وجود الاستراتيجية الوطنية للأمن الفكري يعد مشروعا وطنيا يدعم الائتلاف وينبذ الاختلاف، وأنها للوقاية وليست للوصاية، حيث تستلهم منطلقاتها من ثوابت الشريعة السمحة، وتتسق مع احترام حق التعبير وحقوق الإنسان، مشيرا إلى أن أهم فوائدها تركيزها على وضوح الرؤية، وتحديد الأهداف، وتحقيق التكامل بين القطاعات المختلفة، والتنسيق بين الجهات العاملة في الميدان. ويتطرق الدكتور الدريس إلى أهم ثمار الاستراتيجية، فيبين أن ذلك يتمحور حول تحديد الأولويات بما يتناسب مع الواقع والحاجة، والتحكم في مشكلات التطبيق والتنفيذ. أما ما يتعلق بمعالجة التطرف بمختلف اتجاهاته فيرى الدريس أن التطرف له وجوه عدة، وليس مقتصرا على التطرف الديني فقط، ولكن بلا شك هو من أبشعها وأشرسها، وقد حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشدة كما يتضح ذلك في أحاديث الخوارج. وأكد الدكتور الدريس أن الاستراتيجية الوطنية للأمن الفكري تسعى إلى المساهمة في بناء فكر إسلامي وسطي، لتحصين الشباب من تيارات الغلو، وتنطلق في ذلك كله من رؤية شاملة تهدف إلى بناء هوية وطنية متماسكة، وشخصية إنسانية منجزة منفتحة على العالم، تجمع بين الأصالة والمعاصرة متفاعلة مع متغيرات العصر ومتطلباته، وتتكامل الاستراتيجية مع برامج التنمية الوطنية وخططها التي تعتبر الإنسان هو أساس التنمية وركنها المتين، مؤكدا أن الاستراتيجية يجب أن تتصف برامجها التنفيذية بالمعالجات المستمرة لا المؤقتة، وأن تتسم بالتكامل والشمول مع التنوع والمرونة، وأن لا يكافح الغلو بغلو مضاد، وأن سياسات الأمن الفكري يجب أن تراعي أنها سياسات وقائية لا تمارس وصاية على العقول، مع الاحتياط عند تنفيذ البرامج التنفيذية من السلبيات التربوية للحماية، مع الاهتمام الكبير بضرورة وضع مؤشرات للأداء وقياس الأثر لكل البرامج التنفيذية العملية.