يؤلمك في أستاذ الجامعة مهما كان تخصصه، ودرجته، وكفاءته العلمية أن يبدو منتفخ الودجين، شامخا بأنفه، مترفعا على مجتمعه سواء بين أفراد المجتمع، أو بين أروقة الجامعة، أو بين أبنائه الطلاب، أو في السكك والطرقات، فهذا مما ينقصه قدره، ويقلل من شأنه، وإن ظن أن في هذا تميزه، وعنوان خطورته، وشعار أهميته. أستاذ الجامعة صاحب رسالة لا يمكن أن يحققها إلا بالتواضع، والتواضع الجم. معالي الأستاذ الدكتور محمد عبده يماني رحمه الله تعالى تدرج أستاذا في الجامعة، فأثنى عليه أبناؤه الطلاب خلقا، وسلوكا، وتعاملا، أصبحوا أخلص أصدقائه، وأصدق أحبائه عندما أصبحوا زملاء العمل، ومن بعد عمله مدرسا بالجامعة تقلب في مناصب رفيعة لم تغير من طبعه، وفطرته التي نشأ عليها. انتقاله مديرا إلى جامعة الملك عبد العزيز كان له صدى اجتماعي كبير، حيث يمسك بزمام الشطرين في مكةالمكرمة، وجدة، وهما يمثلان الثقل السكاني، والاجتماعي، والاقتصادي، والديني، والحضاري في المملكة العربية السعودية، هذه النظرة الاجتماعية لم تغير في سلوك الدكتور محمد عبده وتعامله مع الآخرين على كافة المستويات. تحضره صلاة الفريضة قرب المسجد الحرام، فيحرص على أداء الصلاة في جماعته، وبينما الجمع من رجال الجامعة الأكاديميين محيطين به، سائرين في ركابه إذا به يتقدم، أو يتأخر للسلام على بعض كبار السن، أو الفقراء ممن هو رث الحال، فيسلم عليه، ويقبل رأسه، سائلا عن أحواله وشؤونه، تربطه بهم صلة قديمة، في الحي الذي هو مرتع صباه، وسكن عائلته، قد تمتد يد معروفه إلى بعضهم بالخفاء. تميز معالي الدكتور محمد عبده يماني بالرعاية الكريمة لمرافقيه، وفي السفر بخاصة. عام 1391ه كان بداية التعرف بمعاليه عندما ترأس وفد المملكة العربية السعودية إلى الملتقى الفكري السادس بالجزائر، صادف ضمن الوفد كلا من فضيلة الأستاذ الدكتور محمد علوي المالكي رحمه الله تعالى، ومعالي الأستاذ الدكتور عبد الله نصيف حفظه الله، وعبد الوهاب أبو سليمان، كان هذا العضو الوحيد الذي رافقته عائلته إلى الملتقى مصطحبا زوجته، وابنتيه سحر وسمية، وكانتا صغيرتي السن، فكان رحمه الله تعالى دائم السؤال عن أحوال العائلة وأفرادها، يتفقدهم واحدا واحدا، وكأنه والدهم، مهتما بتهيئة الإقامة والجو المريح لهن، لئن كان يخص أفراد العائلة باهتمامه بأنه رحمه الله تعالى لم يهمل البقية فإن لكل فرد في الرحلة قدره وتقديره، أساتذة وطلابا كل ينال من رعايته، وكريم خلقه وتواضعه كأي شخص آخر أثير لديه. كان جو الرحلة جوا أخويا، بعيدا عن الرسميات، والتكلف، فكان رحمه الله تعالى للجميع أخا ودودا، يتبادلون الأحاديث، والطرف، والنكات دون حرج، أو مجاملة، يسهر لراحتهم، أتمثله متطبعا، محققا مقولة الشاعر: كيف أصبحت كيف أمسيت يغرس الحب في فؤاد الرفيق كان يدير أعمال أعضاء الوفد أساتذة وطلابا، وعلاقات مع المضيفين الإخوة الجزائريين إدارة حكيمة يرفرف عليه جو الاحترام والتقدير والانضباط، والتواضع، منسجما مع الجميع تماما، فكرا وروحا، موطأ الأكناف، يألفه الجميع ويألفهم في حب وتقدير.