مهنة الطب من أنبل المهن وأشرفها، وكفى أهلها فخرا أن جعلها الله سبحانه إحدى معجزات عيسى عليه السلام، ولا شك أن العاطفة الإنسانية هي صفة أخلاقية مهمة فى مهنة الطب، التي يجب على الطبيب أن يتصف بها، وبالصدق والأمانة والإخلاص والالتزام، وأن يؤتمن على أسرار مرضاه. وحينما يتعامل الطبيب مع مرضاه فانه قد يتعرض من المرضى إلى بعض الكلمات الجارحة للمشاعر، وربما إلى إيذاء شديد، وفي هذه الحالة فإنه ينبغى على الطبيب ومن منطلق مهنته الإنسانية ورسالته التي اؤتمن عليها أن يتحلى بالصبر والتواضع، وأن يستمع إلى مريضه مهما كانت شكواه، وأن يبادر بكل واجباته المهنية في إجراء الكشف بكل دقة، والتشخيص كما تمليه عليه واجباته بعيدا عن النرفزة أو ضيق الوقت، ولنا في الرازي عبرة جميلة حينما ذهب قائلا في فضل الأطباء إنهم قد جمعوا خصالا لم تجتمع لغيرهم، وقال الشافعى «صنفان لا غنى للناس عنهما العلماء لأديانهم والأطباء لأبدانهم». ولا أظن أن أحدا سوف يخالفنى الرأى بأن أطباء زمان أفضل من أطباء اليوم، فرسالة طبيب زمان فى تخفيف آلام المرضى سامية بعيدة عن أي استغلال مادي أو معنوي، لدرجة أن طبيب زمان كان يساعد ويشترى الدواء لمرضاه الفقراء، ولا يصرف دواء لا يحتاجه مريضه، لا أن يروج لدواء شركة أدوية أو لعمل تحاليل مخبرية أو أشعة ليس لها داعٍ ليحصل منها على نسب مادية، وينبغي على الطبيب أن يكشف على المريض الأسوأ صحيا أولا، وليس على من يدفع الكشف المستعجل. ولا شك أن مهنة الطب أصبحت الآن أسرع طريقة للثراء، فكثرت المستشفيات التجارية والأطباء الذين لا يقدرون إنسانية وشرف الوظيفة التى ينتمون إليها، «وهؤلاء القلة من الأطباء» الذين أغرتهم المادة الدنيوية واللهث وراءها هم الذين للأسف يسيئون إلى بقية الأطباء الشرفاء والنبلاء الذين تكفيهم دعوة صادقة نابعة من قلب مريض أغلى من كنوز الدنيا كلها. وهناك بعض الأطباء لا يساعد مريضه بأية معلومة أو حتى سؤال طبي حتى يدفع الكشف، وهناك بعض الأطباء تعاقبهم المستشفيات لو لم يستغلوا المريض، وبعض الأطباء يجرون عمليات جراحية بأسعار خيالية، وبعض الأطباء لا يعلمون زملاءهم الأطباء إلا بمقابل مادى، وقال رسول الله: «من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة». وأخيرا، أوجه نداء صادقا بصفتي طبيبا تشرفت بأداء هذه الرسالة إلى كل طبيب يخون شرف المهنة وهدفه جمع العملة، أن يتقى الله ولا يعبث بأرواح الناس، فهى أمانة بين يديه، وكم من القصص المؤلمة ذهب أصحابها ضحية الاستغلال المادي أو الأخطاء الطبية، بسبب مثل هذه الفئة من الأطباء الجشعين، والله من وراء القصد.