أخرج من عملي كل يوم كدجاجة دائخة والليل لايزال في بدايته تنكسر بوصلتي فأسوق على غير هدى أغوص في تفاصيل الشوارع اليومية أشم رائحة الرطوبة أتأمل كل شيء .. (جدة) مضاءة كعادتها بسخاء والبحر هادئ تماما.. أرصفة الشاطئ تزدحم بالناس الذين خرجوا هربا من صمت البيوت وضجرها.. تطالعني أشياء تعودت عليها وأخرى لازالت تثير عندي كل التساؤلات.. أحدق فيها في ذهول.. أعصر دماغي وأعلن لكم دون خجل جهلي بتفاصيلها ومعناها.. أنا التائه في مدينة الرخاء والشدة فقد فشلت مرة بعد أخرى أن أجد معنى لبعض هذه (المجسمات) التي تنتشر كالوباء والتي لابد أن ثمة جانبا كوميديا لبعضها لا أفهمه أحيانا أقضي بعض الوقت انطلاقا من اعتقادي أن يكون لكل شيء معنى وإلا أصبح لامعنى لشيء أتفرج وأفصفص بعضها ولكن دون جدوى.. أشعر وأنا أفعل ذلك أنني كصياد يركض في بستان مخنوق برائحة (خيال المآتة) تلك الدمية التي تنصب لإخافة الطيور.. تحديقي في تفاصيل هذه المجسمات لم يقدني يوما لشيء سوى أن صانعي هذه المجسمات حاولوا مثل هؤلاء الناس الهروب من ضجرهم فجسدوها في أشكال ملموسة لا تعبر عن شيء حقيقي سوى سفه الإنفاق وتبديد الثروات والموارد والعجز كل العجز عن تحديد الأولويات.. هناك مجسم عبارة عن قلب مفتوح على البحر هو الوحيد الذي أستطيع تميزه في هذا البازار الحجري كتعبير رومانسي عن هذا العصر الخشن!!.. سألني زميل دراسة كان يزور جدة قبل الصعود إلى عرفة للحج يربطني به زمن يعود لأيام كنا نعلك الوقت معا ونمضغ الأيام بشراهة ونقهقه بلاسبب ونطرز أبواب الحمامات بشعارات كثيرة ونصنع من الدفاتر طائرات ورقية ونعشق الكون بطريقة مختلفة.. عن سر تلك المجسمات التي تنتصب كالشكوى والتي لا أنسجام بين أجزائها كأنها ربطة عنق فاقعة اللون في عنق فلاح.. ابتسمت له ابتسامة ساخرة تشبه ابتسامة الموناليزا، وقلت له: قد أكون جاهلا من طراز رفيع أو قد يكون هناك فعلا سر وراء هذه المجسمات لايراد البوح به حتى يستمر السؤال والتهامس.. فقال لي: (لقد زرت مدنا مختلفة تنتشر في بعضها المجسمات مثل بقع الماء في الشوارع كأنها أغان مبعثرة ولكن لكل منها معنى وتاريخا وطعما.. وضرب لي مثلا أنه قرأ عن مجسم (لماعز) ينتصب فوق أعلى تلة في (كارلوفي فاري) وهو منتجع صحي قال إن قصة ذلك (الماعز) تعود إلى زمن بعيد كانت تلك المدينة قرية وكان في تلك القرية راع، فقد الراعي في أحد الأيام إحدى «المعيز» عندما بحث عنها وجدها تخرج من مغارة، وتكرر ذهاب ذلك الماعز لتلك المغارة، فقرر الراعي أن يدخل بنفسه ذلك الكهف ليجد مغارة حفرتها عناصر الطبيعة، بها ينبوع ماء أبلغ الراعي المسؤول ليكتشف الخبراء في أعماق ذلك الكهف ينبوع مياه معدنية تغلي في جوف الأرض، وكبرت القرية بفضل تلك المياه وأصبحت أشهر المدن التي يقصدها السياح للاستشفاء، المكتشف لكل ذلك هو الماعز الذي رفع مجسمه فوق أعلى تلة في (كارلوفي فاري) .. إنه مجسم ماعز لكن له معنى وتاريخا، قالها بابتسامة باهتة تحمل سخرية وتهكما ووجعا). اجتاحني ذهول غريب، وما أن أنهى رفيقي قصته حتى حاولت التنصل من تكملة الحديث كصبي هارب من فوق سور مدرسة ابتدائية، فبحثت عن وجود هامش أوسع من الأوكسجين في العربة.. أشعلت جهاز التسجيل.. فجاءني صوت فيروز كشلال طال انحباسه تصرخ بصوتها «ما في حدا.. لاتندهي ما في حدا»!!. وتمتمنا معا مافي حدا مافي حدا!!. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 134 مسافة ثم الرسالة