أحييكم من مدينة (كارلوفي فاري) هذه المدينة الصغيرة جدا والتي تقع على بعد 152 كيلومترا شمال مدينة براغ عاصمة دولة التشيك، ومعنى اسمها هو (حمامات الملك كارل)، الذي كان أحد ملوك الإمبراطورية النمساوية القديمة، وهو الذي اكتشف موقع هذه المدينة، التي تحفها الغابات على مساحات واسعة، والتي كان الملك يرتادها للصيد، حيث جاءها مرة وأطلق فرسه لتشرب من النهر الصغير المتدفق في أحد الوديان، فإذا بالفرس تتجه إلى ينبوع ماء قريبا من حافة الجبل لتشرب منه، لكنها جفلت ولم تشرب، فعندما استطلع الملك الأمر وجد أن المياه المتدفقة من الينبوع، مياه معدنية ساخنة جدا، فاكتشف عن طريق الصدفة هذه الينابيع الساخنة، والتي يبلغ عددها حاليا اثني عشر ينبوعا، تتفاوت درجة حرارتها وملوحتها، ثم اكتشف الأطباء أن مياه هذه الينابيع تعالج أمراضا معينة، بإذن الله، لاحتوائها على نسب مختلفة ومحددة من المعادن. ولكي أصل إلى مدينة كارلوفي فاري من المملكة العربية السعودية، فقد اخترت أقرب وأقصر طريق يوصلني إليها، ففي العام الماضي وصلت لها عبر مدينة فيينا بالنمسا، ومنها اتجهت إلى مدينة براغ عاصمة دولة التشيك، بواسطة طيران مروحي مزعج، لا أنصح به. أما في هذا العام فكان عندي أكثر من خيار للتوجه إلى براغ، إما عن طريق بيروت أو طريق القاهرة أو اسطنبول أو مدينة ميونيخ الألمانية، لكنني فضلت طريق القاهرة، الذي كان الأنسب من حيث قصر المسافة والقيمة، ولأنه الطريق المتاح حاليا، فقد ألغت الخطوط السعودية رحلات فيينا وميونيخ هذا الشتاء. ولإعطاء القارئ وصفا لموقع المدينة والمدينة نفسها، فإن المدينة تقع حول مجرى واد عميق يتدفق في وسطه نهر دائم الجريان، تحف ضفتيه أبنية المدينة الجميلة ذات الطراز المعماري المتميز بألوان واجهاته الهادئة الجميلة، والتي ترتفع حولها أشجار غابات كثيفة وجميلة، ولقد تحولت معظم مباني المدينة إلى فنادق سياحية ومصحات للعلاج الطبيعي، تعتبر من أرقى مصحات العلاج الطبيعي في العالم (حسب قول مترجمنا اللبناني). وعلى الرغم من انتشار المصحات في هذه المدينة التي يأتي إليها طالبو العلاج من جميع أنحاء العالم، إلا أن أربعة منها فقط تحتوي على جميع أنواع العلاج الطبيعي، وهذه الأربعة الأماكن عبارة عن فنادق ضخمة وكبيرة... منها: فندق (ثيرمال) وفندق (إمبريال)، وهو عبارة عن قصر ضخم جدا يقع على قمة أحد جبال المدينة، والذي بُني قبل مائة عام تقريبا. وأنا من القليلين جدا الذين يقصدون هذه المدينة في فصل الشتاء، حيث تبلغ درجة الحرارة (خمس درجات مئوية تحت الصفر)، لقلة من يقصدونها في هذا الوقت، ولأن الناس يكونون أكثر حشمة في ملابسهم من فصل الصيف، كما أن قيمة العلاج والفنادق تقل لأكثر من خمسين في المائة تقريبا. ومن يسير في شوارع هذه المدينة هذه الأيام يجب أن يتدثر ويرتدي الأزياء الصوفية أو الجلدية، لشدة البرودة فيها. حيث يكسو الثلج جميع المدينة ، كما أن زائرها سيشاهد نصباً تذكارياً يحمل شعارات الديانات الثلاث الإسلامية (الهلال) واليهودية ( النجمة السداسية) والمسيحية (الصليب). كما تعج المدينة بالمحلات التجارية التي تبيع التذكارات وخاصة الأواني الخزفية، ومنها أكواب شرب المياه المتدفقة من الينابيع، والتي تمتاز بممصاتها الطويلة التي تأخذ شكل فيل رافعا خرطومه للأعلى. كما تنتشر فيها محلات المجوهرات والحلي الذهبية، وكذلك محلات الملابس الشتوية الراقية ذات التصاميم الأوربية التقليدية، وخاصة التصاميم الروسية القديمة، ومعظم هذه الأزياء مصنوع من جلود وفراء الحيوانات. كما تنتشر في المدينة المطاعم ومحلات الصرافة والبنوك وغير ذلك. أما المصحات،فهي متخصصة في العلاج الطبيعي فقط، وليس الجراحي أو العضوي. وعندما يصل الإنسان إلى أي مصحة، فإنهم يبادرون بإجراء كشف وفحص طبي عام، يشمل تحاليل الدم، والتعرف على التاريخ الصحي للإنسان، ليستطيعوا أن يقفوا على حالته الصحية، ومن ثم توجيهه إلى العلاج الطبيعي المناسب له. كما ان بعض المصحات تفرض حمية غذائية صارمة على الشخص، في حالة احتاج إلى ذلك، وخاصة أصحاب الأوزان الثقيلة والسمنة المفرطة أو الزائدة. ومن جهة أخرى، لقد جربت ماء كارلوفي فاري كدواء لمعدتي الملتهبة دائما وللحموضة الزائدة بها، وكذلك لقرحة (الاثنا عشر) التي اكتشفتها قبل عامين تقريبا، فوجدت أن مياهها صالحة جدا بالنسبة لحالتي، وارتحت لها كثيرا، كما أن تمسكي بالحمية والتمارين الرياضية أفادني كثيرا، في كارلوفي فاري، والتي دائما ما أهملها في مكة لانشغالي الدائم بأمور عملية ووظيفية، وللمجاملات (الزائدة) في (العزايم)، حيث لا تعرف الحمية طريقها إلينا من خلال الكبسات والمفطحات والمنديات والمنتو والفرموزة والمعصوب أبو العسل والقشطة واللقيمات والرز البرياني والكابلي والعيش أبو لحم والطرمبة والكنافة واللبنية واللدو، والوجبات السريعة، وما لذ وطاب، وخاصة ما يحضره لنا الأستاذ خالد الحسيني في رمضان في مجلسه الشهير، وفي ولائمه الدسمة. إن من يأتي إلى كارلوفي فاري، قاصدا العلاج، فعليه أن يتقيد بتعليمات الطبيب بحذافيرها، وأن ينفذ تعليماته، ليتمكن من تخفيف وزنه وعلاج مرضه بإذن الله. ويمكن للمريض المسلم أن يطلب معالجين من الرجال، كما يمكن للمرأة المسلمة أن تشترط معالجات من النساء، وهذه مطالب مرحب بها في كارلوفي فاري، وكذلك يمكنهم طلب الأغذية الحلال الخاصة بالمسلمين. وفي الحقيقة لقد تعرفوا في كارلوفي فاري، على طلبات المسلمين فحرصوا على تلبيتها لهم. لكن من المؤسف جدا أن تسمع عن بعض المسلمين (هداهم الله) ممن لا يعكسون صورة الإسلام الحقيقية، بممارساتهم الخاطئة، كان هذا في كارلوفي فاري، أو في غيره من بلدان العالم. فتجد بعضهم يتكلم ويفتي في الدين نهارا، ويعصي الله بشربه للخمر وإتيان المعاصي سرا وجهارا. نسأل الله السلامة. والآن أترككم في رعاية الله وحفظه، حيث حان موعد الجري على السير، لمدة نصف ساعة، فأرجوكم الدعاء بالشفاء العاجل لمرضانا ومرضى المسلمين، من كانوا في المملكة أو خارجها ، ومن احتاج إلى علاج عضوي أو جراحي أو طبيعي أو نفسي. نسأله سبحانه العفو والعافية. ويا أمان الخائفين....وللحديث بقية...