تربطني علاقة صداقة مع الرئيس أوباما.. ولن أستطيع أن أصفها بالحميمية وإن كان بالإمكان (مع الأيام) أن تكون كذلك.. أنا هنا لا أكذب، وليست هذه الدعوى إحدى (الفشخرات) التي كانت إلى وقت قريب تعد (ركبة) تصيب سامعها ب(المغص) ولن يقبل بها أحد.. ولو قلت قبل سنتين إن صديقي أوباما لربما نصبت ضمن الكذابين العتاة الذين لا يرتهن لكلامهم.. خاصة إن أضفت إلى قائمة أصدقائي رئيس وزراء فرنسا وألمانيا وأخذتني النشوة ووسعت دائرة صداقاتي وقلت إن صديقي المناضل العظيم مانديلا وملكة هولندا والجوهرة السوداء بيليه ومادونا وميسي والكاتب العظيم ماركيز والمفكر أدونيس والموسيقار نصير شمة.. ويمكنني تعداد العشرات من الأسماء التي لا تخطر على بال، وأقسم صادقا أنهم أصدقائي من غير أن أحنث في هذا القسم. وهذه الصداقات ليست رهنا علي فقط، فربما يكون أحد القراء تربطه علاقات صداقة مع شخصيات عالمية ومحلية لينبري قائلا: لست وحدك من تربطه صداقات بشخصيات كبيرة، فأنا لي صداقات مع: لاعب السلة الأسطورة مايكل جوردن أوالمطربة الأمريكية ماودنا أو أنه صديق لصاحب الماركة العالمية كليف كلاين أو المطربة الكندية سيلين ديون أو وزيرة خارجية الولاياتالمتحدة هيلاري كلنتون أو مع الشيخ علي جمعة مفتي مصر أو مع الدكتور يوسف القرضاوي أو مع الشيخ الدكتور سلمان العودة.. يستطيع أي أحد منكم ذكر عشرات الأسماء الصديقة من غير أن يكذبه أحد. فالفيس بوك إحدى وسائل الاتصال الحديثة، وهي وسيلة تربط بين الأفراد بمختلف شرائحهم من غير حواجز طبقية، حيث يمكنك التواصل مع شخصيات عامة لم يكن بمقدورك سابقا أن تتصل بها لأسباب مكانية أو احترازية أو بسبب الشهرة. وبسبب هذه الوسيلة اختلطت الطبقات في تعارف سهل لا يحمل البرتوكولات المعهودة، بحيث يمكنك كفرد التواصل مع رئيس دولة أو أمير أو وزير أو شخصية عامة بكل يسر وسهولة. وقد تنبه الكثيرون لميزة الفيس بوك التواصلية (إن جاز التعبير)، فدخلت مئات الشخصيات السياسية والعامة كي تكون متواصلة مع مختلف الشرائح (وفي جميع أنحاء العالم)، والذي شجع الشخصيات العربية للدخول في تواصل مباشر مع المحيطين بهم أو العاشقين لهم هو إقدام رؤساء ووزراء دول أجنبية على أن يكون لهم صفحات على الفيس بوك. ولهذا، سوف تجد عشرات الشخصيات التي كان من الصعوبة بمكان أن تتصل بها.. ستجد أن تواصلك بها الآن غدا ميسرا وسهلا، ولم يعد الأمر يعني سوى طلب الصداقة وفي المقابل قبول عرض الصداقة لتصبح صديقا لعشرات من الشخصيات المشهورة عالميا، بحيث يستطيع أي فرد الآن أن يقول إنه مرتبط بصداقة مع الوزير الفلاني أو الممثل الفلاني من غير أي تحرج أو خشية أن يكذب من قبل جلسائه. يستطيع الآن أي شخص أن يقول إنه صديق للفنان محمد عبده أو عبادي الجوهر أو عادل إمام أو نادية الجندي أو هيفاء وهبي أو أليسا أو عبد الحسين عبد الرضا أو دريد لحام أو ناصر القصبي أو صديقا للوزير عبد العزيز خوجة، ولن يضحك عليه أحد لو قال إنه صديق للرئيس الأمريكي أوباما. هكذا غدا العالم في فضاء واحد كبيره وصغيره.. وهو التواصل الذي سيغير بنية التفكير وسيقلب مفاهيم ثقافية مختلفة كانت سائدة لآلاف من السنين. فهل نفهم معنى أن ينفتح العالم (بجميع طبقاته) وبهذه الصورة المتداخلة؟ وإن عجزت مجتمعاتنا العربية عن إدراك معاني هذا التواصل سيبقيهم في أبراج عالية (لن توصف بالعاجية بل بالنائية) وسيجعل مسافات فهم الواقع تغيب عن إدراكهم.. فكما انقضى العهد البرونزي أو النحاسي أو عهد الثورة الصناعية أو العهد الإقطاعي أو عهد السيد والعبد، حل زمن جديد، ففي زمن الفيس بوك انتهى عهد زمن الاحتجاب وعهد الحاجب ومدير المكتب، غدت هذه السواتر من مخلفات الماضي.. نحن نعيش زمن التواصل غير المشروط بطبقيته الاجتماعية.. الكل أصدقاء، والكل يتقاسم الأفكار والطموحات، أي أننا نعيش على عتبة زمن بلا حدود أو حواجز.. وهذا الذي يجب التنبه له من قبل المشرعين وواضعي القوانين الباحثة عن تسيير المجاميع داخل بوتقة واحدة، لسبب بسيط هو أن البوتقة انكسرت وغدا الفضاء الواسع هو الذي يجمعنا. هل نفهم هذا؟ أتمنى ذلك!