أمامي صورة شيك تاريخي دفعته خزينة الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى روسيا بمبلغ يعادل سبعة وعشرين مليون ريال فقط لا غير. والمبلغ دفع بتاريخ أول أغسطس 1868، وبالتالي فهو يعادل أضعاف القيمة الإسمية للشيك. وبالرغم من ذلك تعتبر هذه الصفقة من أكبر مكاسب أمريكا، فبموجبها اشترت آلاسكا بأكملها، والتي أصبحت ولاية منفصلة جغرافيا من الولاياتالمتحدةالأمريكية. ويعادل هذا السعر حوالي 16 ريالا للكيلومتر المربع. يعني حوالي سعر عشرة «طليان» لكل مليون متر بأسعار تلك الأيام. الشاهد أن هذه الأرض الشاسعة، والتي تعادل الغنية، والتي تدر خيرات البترول والغاز الطبيعي على الولاياتالمتحدة اليوم كانت «صيدة» لأمريكا. وهناك ما هو أفضل منها، ففي عام 1667، وفي معاهدة «بريدة» Breda تبادلت المصالح الهولندية والإنجليزية على التالي: «تخلت» إنجلترا عن جزيرة «رن» الغنية بزراعة التوابل في شرق إندونيسيا، مقابل الحصول على مدينة «نيو أمستردام» في شرق أمريكا من هولندا. وتحولت بعدها هذه المدينة ذات الصبغة الهولندية إلى مدينة «نيويورك» الشهيرة، وكانت الصفقة الرابحة لإنجلترا. ولكن التاريخ سجل صفقات ذات مكاسب أعلى، ففي مطلع القرن السابع عشر تم اكتشاف شجرة غيرت تاريخ العالم. وتحديدا، كانت شجرة «الكينا» من أهم النباتات لأنها مصدر مادة «الكوينين»... على وزن «دايخين»... وهي من أهم الأسلحة الطبيعية التاريخية ضد أهم الأوبئة في تاريخ البشرية. وتحديدا، وباء الملاريا كان ولا يزال القاتل الأكبر للبشرية. أثناء قراءتك لهذه الكلمات يعاني حوالي ثلاثمائة مليون إنسان من هذا المرض، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن هذا المرض لم يكن محصورا على أفريقيا وآسيا، وإنما كان متفشيا في الشمال والجنوب، في أوروبا وأمريكا وكل بقاع الأرض. الشاهد أن أشجار الكينا كانت بإرادة الله عز وجل تنتج علاجا فعالا للملاريا، وكانت أفضل تلك الأشجار محصورة على مرتفعات دول أمريكا الجنوبية، وبالذات مرتفعات «الأنديس». وهنا بدأت الإثارة، فقد لجأت العديد من تلك الدول لاحتكار الأشجار، بل وحرمت تصديرها خوفا من زراعتها في بلدان أخرى. وتطور الاحتكار ليشمل معارك دينية بين طوائف الكنيسة المختلفة، وتحديدا، فقد احتكر الدواء مجموعة متحفظة كاثوليكية، وتم رفض ذلك من بعض المجموعات البروستانتنية، فتم تصعيد التنافس لإيجاد البدائل بدون جدوى. واستمر الوضع الاحتكاري لمئات السنين إلى أن نجح تاجر من أستراليا اسمه «لدجر» عام 1861 في الحصول على حفنة بذور إحدى أشجار «الكينا» من «بوليفيا»، وحاول أن يبيعها على ممثلي الإمبراطورية البريطانية فرفضوا الموضوع جملة وتفصيلا. وكانت اعتبارات التربة على المرتفعات الشاهقة حسب زعمهم من متطلبات نمو تلك الأشجار «الدلوعة»، ولكن الجماعة الهولنديين كانوا أكثر دهاء، فاشتروا البذور بما يعادل حوالي مائة ريال، وكانت أكبر «صيدة» تاريخية لأنهم زرعوها بنجاح منقطع النظير في الأراضي المستعمرة فى إندونيسيا. وبعد فترة وجيزة كونوا أحد أقطاب إنتاج «الكينا» في العالم إلى أن قامت الحرب العالمية الثانية التي شهدت محاولات غربية وشرقية للاستيلاء عليها. من الغرب، احتلت ألمانيا الأراضي الهولندية وصادرت المنتج فأصبحت محتكرة لعلاج الملاريا. ومن الشرق، احتلت اليابان إندونيسيا وطردت الهولنديين وصادرت مزارع أشجار الكينا، وبذلك أكملت حلقة الاحتكار. وعانى العالم من الملاريا بدون علاج فعال لسنين إلى أن نجح علماء الكيمياء في صناعة الكينا في معاملهم. أمنية كل هذه الجواهر الاستثمارية تمثل استثمارات ذات مردود عالٍ جدا، ولكن هناك ما هو أهم وهو خدمة الحجيج، فهذا شرف عظيم تتراكم فيه الخبرات سنة بعد الأخرى لنحسن إنجازاتنا بمشيئة الله.. أتمنى أن نتذكر أن أهم موارد الوطن هي أغلى من البترول بمئات المرات. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة