كان الإمام أبو حنيفة يراوده تردد في تحديد أفضل العبادات الإسلامية وعندما حج قال: أيقنت الآن أن الحج أفضل العبادات، فالحج به روحانية مختلفة عن سائر العبادات لأنك ترى المسلمين يرتدون لباسا واحدا ويهتفون هتافا واحدا ويرجون ربا واحدا «لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك». والحج هي تلك الرحلة الإيمانية الجميلة التي تنطلق فيها أفئدة المؤمنين من قيود الأرض وبعيدا عن أجواء الدنيا إلى رحابة التسليم التام للخالق العظيم والانقياد المطلق لأوامره دون تردد، هذه الرحلة التي تعيش بها أمنية غالية تتلجلج في صدر كل فرد مسلم مهما ابتعدت بقعته وشط مزاره لتجد عينيك تهلان بالدمع وأنت تستمع إلى إخوتك القادمين من مكان بعيد وهم يروون قصص الشوق والهيام برؤية الكعبة المشرفة والأماكن المقدسة وكيف وصلوا إلى هذا المكان بعناء «ماديا ومعنويا» وكيف ضحوا بأموالهم فأنفقوها راضية بها نفوسهم وضحوا بأوقاتهم فاقتطعوا منها أياما وربما شهورا وضحوا بقربهم من أهلهم وديارهم فتركوها في سبيل الله وتجردوا من كل زينة ليبقوا أياما معدودات بلباس الإحرام الذي لا مباهاة فيه بين رجل وآخر ولا مدعاة فيه لعجب أو رياء أو خيلاء ومشاعرهم الفياضة التي لا يصفها غير تهدج الصوت واختلاط الحروف والعبرات المسكوبة الصادقة. هذا هو الركن الخامس من أركان الإسلام الذي به تربية النفس على العفاف والأدب العالي فإن الله تعالى يقول: «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهِن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله» فإن من أراد أن يعمل بهذه الآية، فعليه ألا يتدنى إلى الرفث ولا يتدنس بالفسوق ولا ينطق بالفحش بل ولا يشغل نفسه بالجدل والنقاش الذي لا طائل وراءه ولا ينظر نظرة مريبة ومن يلزم نفسه بهذا كله في أيام الحج فإن أثر ذلك سيبقى له بإذن الله بعده ولو درسا يتذكره كلما مالت به السبل أو اشتطت به الطريق.. ولو تحدثنا عن الحج فإننا لابد أن نتحدث عن المشاعر ولو تحدثنا عن المشاعر يكفي أن نقول بأن حج هذا العام هو حج من نوع خاص ومختلف تماما عما سبقه وصحيح أن الحج هو الحج والمكان هو المكان والوقت هو الوقت ولكن هناك ثمة أشياء جميلة طرأت بل ظهرت فبالإضافة للمشاريع العملاقة التي كانت ومازالت تبذلها حكومتنا الرشيدة لابد أن نذكر أن هناك سيورا وقضبانا حديدية وجسورا دخلت أرضية المشاعر المقدسة فهناك مشروع قطار المشاعر المقدسة الذي يعد أحد أبرز وأنجح هذه المشاريع العملاقة في عهد مولاي خادم الحرمين الشريفين والذي سينطلق في موسم حج هذا العام لخدمة حجاج بيت الله الحرام وراحتهم هذا المشروع الذي تحقق معه حلم طال انتظاره وهو إدخال نمط النقل بالقطارات في المشاعر المقدسة خلال فترة زمنية قياسية لا تتجاوز العامين ولا ننسى أن نقول بأن حجاج بيت الله الحرام سيمتعون نظرهم بساعة مكة الشاهقة التي نورها يسر الناظرين.. فهنيئا للحجاج هذه الراحة وهنيئا لمن عمل وسينال صادق الدعاء. محمد مخضور اللحياني