يروي فرويد أن الغيرة ما هي إلا انفعال مركب، وأن أهم مكوناتها هي خوف الفرد من فقدان من يحب، كرهه لمنافسته ورغبة في إيذائه، وشعوره بالنقص ونقده الحاد للذات الذي قد يتحول إلى الشعور بالذنب، وخوف الفرد من فقدان من يحب سلوك أناني لأنه ينطوي على رغبه في امتلاك الشخص الآخر، والإخفاق في الحصول على حب شخص ما. والغيرة قد تؤدي بالفرد إلى كره غريمه تدفعه أحيانا إلى إيذائه، وهكذا تقترن الغيرة بالسلوك العدواني. فالثقة بين الزوجين تنفي الغيرة، فهو شعور لا يجتمع، فالزوج يجب أن يثق بزوجه وينفي شعوره بالغيرة، والزوجة كذلك. والثقة لا تنحصر في التصرفات بل يجب أن تدخل في الحب أيضا، مع الملاحظة أن العلامة الناجحة بين الزوجين لأبد أن تصاحبها الغيرة، ولكن ضمن مفهوم الحب. كل منهما للآخر وخوفه وحرصه عليه، فغيرة الزوج في المواقف العادية التي تعبر بحياته مع زوجه، فالغيرة شعور صحي وجميل وغيرته هي غيرة الراعي والمسؤول، وهو أمر داخل في نسيج الحب، حبه لزوجه وحمايتها، وبدون شك فهي تستحق أن يغار عليها، فهي شيء ثمين وقيم، وهي شيء قدير بالحفاظ عليه. فالغيرة هنا ما هو إلا إعلاء من شأن المرأة، وتعبير عن سمو مكانتها، والزوج الحقيقي هو الذي يغير ضمن حدود الطبيعة، إلا إذا زادت عن هذه الحدود وتشابكت مع الشك لأنه يتحول إلى أزمة مستعصية، ولن يطفئ ناره إلا الثقة، كما أن ناره نجحت كثيرا في توثيق سعادة الكثير من الأزواج، لكنها عندما تتحول إلى بركان يقذف بحممه على كل شيء، هنا تكون الغيرة غير معقولة بل وأنها مدمرة. أن الغيرة بين الطرفين مطلوبة، لأنها هي التي بدورها تحافظ عليه حتى لا يفقد أو يضيع، قد تدفعنا للاهتمام بمن نحب من مبدأ المحافظة عليه من الضياع أو التشتت وهي التي يجب ندعمها ونشجعها، وحذار من عادة الشك هذه، فهي متى دخل حياة إنسان عرضه لمشكلات عديدة لا تنتهي أبدا. هناك بعض الرجال تزعجهم تلك الأسئلة التي تلقيها المرأة، وذلك عند دخول أزواجهم الدار، والأسئلة «أين كنت»، «ماذا فعلت»، «لماذا تأخرت»، «من حدثت»، «ماذا كنت تقول»، «تكلم بصراحة»، إلى غير ذلك من الأسئلة التي تجعل من الزوج أن يفقد عقله. قد نرى أن الغيرة ليست بالبساطة التي يظنها أغلب الناس، فإنها بداية لظهور أنواع من السلوك الغريبة، وتشتد غرابة هذه الأنواع من حدة مشاعر الغيرة القائمة في نفس الفرد، ويشتد تباينها واختلافها تبعا لاختلاف مكونات الموقف نفسه. تركي الدهماني