الأم غير النساء، لا يمكنك استبدالها، فهي مركز الرحم وبغير «أم» لا يكون هناك رحم ولا ذرية ولا ولد. بقيت لمرات عديدة أسأل والدتي عن أمورها مع الحياة والصحة وكيف تجد نفسها، وبرغم أنها متعبة، فقد كنت أفهم من كلماتها المتفائلة أنها قليلا مرهقة، وفي النهاية أخذ الله أمانته، ولم تكن تريدني أحمل همها مطلقا.. كانت تختفي وتتلاشى قليلا قليلا نتيجة ضعف بعد قوة ووهن بعد تكامل في الصحة.. كان شعارها ابقوا معي قليلا، وهكذا لبعض الوقت بقيت، وبهدوء هكذا غابت.. وما وجدت أكثر سهولة ويسرا من تجهيزها.. وإكرامها دفنا في اليوم نفسه.. لم تكن تعرف سوى القليل من الناس، ووجدت أناسا كثيرين تبعوا جنازتها هكذا جاءوا متدافعين بنفوس طيبة لإيداعها أول منعطف يفصل بين الآن وما يليه. ولدت في اليمن وعاشت لنصف قرن من سنوات حياتها في هذه المدينة التي تكتظ زحاما وحرا وقلقا ومستشفيات وأدوية وكما استحضرت لمرات عديدة قبل وفاتها بأيام رائحة الحقول وبقايا المطر وطرقا عبر القرى تكتظ أحراشا ومخابئ للثعابين صعودا الى الجبل أو نزولا منه، فقد كانت تشكر الله على النجاة في كل مرة وكل حين لأنه أخذ بيدها فجاءت إلى هنا كيما تنجب ثلاث عشرة نفسا هكذا كانت تقول جئت كيما أنجبكم وأبقى معكم هنا لأنني يتيمة أيضا فابقوا قليلا معي وهكذا بقيت على الوفاء بصدق وتحنان ومودة إلينا ومعنا.. وعلى قدر المسافة أيضا خرجت من بيتها بغير مستشفيات ولا أدوية.. ومن وسط زحام الشوارع سريعا هكذا وصلت إلى آخر منعطف لا يعود منه إلى الوراء إنسان.. ما الذي يمكنني قوله في امرأة تنكر ذاتها من أجل محبتي، وتصلي دوما إلى الله من أجل راحتي وقد بقيت تدللني حتى خجلت من نفسي لم تكن تريد أكثر من «أين أنت.. ومتى تأتي هل أعد شيئا من القهوة لابني وأبي قل لي متى تأتي!!»، ها هي ذي حياتي قد خلت من حب الحقول وأعمال السقي وصرب الحشائش وطلع السنابل وآفة الدروب المتعرجة ليلا وفي عز الظهيرة لم تعد خائفة من شيء، ولا اعتراها قلق ما رأيت نكران ذات ولا أحسست عن قرب ولا بعد بامرأة يساورها قلق على ابنها فيما هي فعلا تتراجع إلى الوراء وباصفرار الخريف تذوي شحوبا وبسلام المحبين الأنقياء تتوارى وبفيض الأمومة تنكر آلامها قائلة «لا تقلق» ابق قليلا معي، ولن أخاف من شيء مطلقا بعد الآن!!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 265 مسافة ثم الرسالة