لو أن امرأً شغل نفسه وحياته بسب فرعون وهامان وقارون وأبي جهل وأبي لهب ورؤوس الكفر والشرك، فهو يسبهم ويفضحهم ويلعنهم، لكان مذموماً ملوماً على تفريطه بالطاعات، وتركه للواجبات، وانشغاله عن ذكر الله -تعالى- بذكر فلان وفلان، ولربما مات مسلم لا يعرف هؤلاء، ولم يسمع بأسمائهم فكان من أهل الدرجات العلا، وهذا صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-:"لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء" رواه الترمذي (1982)، وأحمد (18210) وفي رواية:"فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا" أخرجه البخاري (1393) عن عائشة -رضي الله عنهما- قال هذا في أبي جهلٍ فرعون هذه الأمة. إن النفس المشغولة بالبحث عن عثرات الناس وجمعها ومحاصرتهم بها نفس مريضة ولا بد، والنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله، ومن ظلم المرء لنفسه أن يختصر الآخرين في زلاتٍ محدودة، فإن النفس البشرية فيها من العمق والاتساع والتنوع ما يجعل كل إنسان فيه جوانب من الخير لو فُعّلت واستخرجت ووظفت لكان من ورائها خير كثير، ولذلك كان المصلحون نابغين في هذا الجانب، جانب تحريك الخير الكامن في نفوس الناس، وهذا يكون بالثناء المعتدل الصادق، مثلما تجده في ثناء النبي -صلى الله عليه وسلم- على قبائل، وأحياء، وأعيان، ومواطن.كما يكون بحفظ جاه الناس، ومكانتهم، وعدم ازدرائهم، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" أخرجه مسلم (1780) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- وقال:"الكبْر بطر الحق وغمط الناس" أخرجه مسلم (91) عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- وغمط الناس: ازدراؤهم، وبطر الحق: ردُّه. ويكون بالتواضع وترك الاستعلاء، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-:"هون عليك؛ فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد" أخرجه ابن ماجة (3312) عن أبي مسعود -رضي الله عنه-. ويكون بقبول الحق والخضوع له، ولو جاء من غير مظنته، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-:"صَدَقَكَ وهو كذوب ذاك شيطان" أخرجه البخاري (3275) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- وصَدَّق رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-قول اليهودية في عذاب القبر، انظر ما رواه البخاري (1372) ومسلم (586) من حديث عائشة -رضي الله عنها- ويكون بالفرح بالنجاح الذي يحققه الآخرون، فلا نشعر أن نجاحهم على حسابنا، الميدان رحب، والفرص عديدة، وقد نجح أعداء الإسلام الصرحاء في الكثير الكثير، وعلى حساب ديننا وأمتنا فلم يزعجنا ذلك، أو على الأقل لم يظهر على قسماتنا وملامحنا ولغتنا الانزعاج، وكان ذلك أولى بنا؛ لأننا أمام باطل محض، بينما ما نعيبه على إخواننا المسلمين هو على أسوأ الأحوال باطل مشوب بحق. إنني أحس أن الشباب المسلم بحاجة إلى تصحيح طرائق النظر والتفكير؛ لأن القوالب الخاطئة في النظر والتفكير تولد نتائج خاطئة، وهذا أولى من ملاحقة مفردات المسائل وتصحيحها؛ لأنه إذا كان المصنع مبنياً بطريقة معوجة، وكانت القوالب غير منضبطة ولا منتظمة، فلابد أن يكون الإنتاج معوجاً وغير منضبط، وإصلاح المصنع وتصحيح قوالبه هو المتعين، أما ملاحقة المنتج، فردةً فردةً، وواحدة تلو الأخرى لتعديلها، فهو عمل شاق وقليل الجدوى. ولا يفوتني أن أستدرك ما قد يقوله بعض الأحبة: وهل هذا يعني إلغاء باب الذب عن عرض المسلم؟ كلا. وهيهات، المسألة المطروحة ليست هذه، هي مسألة صراعات واحتدام نزاع وضياع أوقات، ولبس وشماتة عدو... فالانسحاب من هذا الميدان إلى ما هو أنفع هو اختياري، ولا بأس أن يذب المسلم عن عرض أخيه المسلم. وقد اقتصرت هنا على ما أظنه لب المسألة، وتركت الدخول في التفاصيل، ولعل عذري أنني أظن في هذا مساهمة صغيرة صغيرة في تعديل المصنع، وصياغة القوالب. والله أعلم.