كثيرا ما نسمع عبارة «عبر الأثير» التي تشير إلى انتقال أشياء مثل موجات الراديو أو التلفاز إلينا من مناطق بعيدة عبر الهواء أو الفضاء. في الأيام القليلة الماضية استحوذت هذه العبارة على تفكيري؛ السبب هو الزيادة الهائلة في الأشياء التي أصبحت تصلنا أو التي نستطيع أن نصل إليها الآن «عبر الأثير». لم يعد الأمر مقتصرا على سماع المذياع أو رؤية بضع قنوات تلفزيونية أو إجراء الاتصالات الضرورية كما كان الأمر قبل سنوات قليلة بل تعدى ذلك بكثير. عدد قنوات التلفاز القادمة من كل حدب وصوب «عبر الأثير» أصبح لا يحصى. لم يعد ضروريا في كثير من الدول الارتباط بمواعيد البرامج التلفزيونية المفضلة بل أصبح بالمقدور الحصول عليها «عبر الأثير» من مكان خزنها متى شاء الواحد وكيفما شاء. أصبح الهاتف الجوال جزءا لا يتجزأ من جسم الإنسان لا يكاد يستغني عنه أحد، ينقل الكلام والصورة والبريد ويسدد الرسوم والفواتير ويقوم بأعمال كثيرة «عبر الأثير». أجلس في غرفة مغلقة في المنزل وبحجري جهاز حاسوب صغير «LapTop» أو جهاز «IPAD» لا يزيد حجمه عن حجم «الدفتر»، وتأتيني الدنيا كلها. أتصفح الصحف المحلية والعالمية وأنتقي من أخبارها ما أشاء. تتزاحم الأسئلة في ذهني: كيف لا تختلط مقالات هذه الصحيفة مع تلك؟ أو اللغة العربية مع الإنجليزية أو الصينية. أبحث عن المعلومة فتنفتح لي ملايين المواقع قائلة: ابحث كما شئت، ها هي كنوز المعرفة بين يديك. يصيبني الملل فأستحضر أنغاما جميلة لأحسن المغنين والعازفين عبر العصور منذ اختراع جهاز التسجيل أو أنصت إلى تلاوات مباركة لأشهر المقرئين أو أستعيد أفلاما سينمائية منذ اختراع السينما. أشتري كتابا يصلني فورا «عبر الأثير»، أدفع ثمنه بالبطاقة الائتمانية «عبر الأثير». الكتاب الذي اخترت النظر إليه آخر مرة هو مجموعة لوحات للفنان الانطباعي «رنوار». تظهر اللوحات الزاهية بكل ألوانها وكأنها أمامي. أتساءل: كيف لا تختلط الألوان بعضها ببعض. أتحسف على فوات مؤتمر علمي كبير كنت أرغب في حضوره في إحدى الدول الأوروبية، أفتح موقع المؤتمر، وسرعان ما أشاهد المحاضرين يلقون محاضراتهم بين يدي وكأني جالس أمامهم. مؤتمرات عالمية أخرى تنقل مباشرة «عبر الأثير» ليس فقط لرؤية المحاضرين عبر الشاشات الكبيرة بل للمشاركة الحية في الأسئلة وسماع الأجوبة والنقاش من أي مكان من العالم. أتصل عبر الشبكة المعلوماتية بقريب لي يدرس في الولاياتالمتحدة. نتحدث لفترة طويلة وكأننا جالسون وجها لوجه، وأنا أرى وأسمع كل ما حوله وهو يرى ويسمع ما حولي. ألتقط جهاز التحكم عن بعد وأتنقل بين القنوات التلفزيونية الكثيرة دون أن أتحرك من مكاني. لا حاجة للحركة فهذا الجهاز يغني عنها بما يستطيع فعله «عبر أثير» الغرفة. وبجهاز التحكم عن بعد أفتح باب سيارتي وأشغل جهاز التكييف في الغرفة أو أقفله، وكل ذلك عبر الأثير. وبتقنية مماثلة يمكن التحكم في مركبة فضائية تجوب أرجاء الكون على بعد ملايين الأميال أو التحكم بعربة تتدحرج فوق سطح المريخ. أقود سيارتي في مدينة لا أعرفها وأتجه بكل سهولة إلى العنوان الذي أرغب في الوصول إليه بمساعدة التعليمات التي تصلني بالصوت والصورة «عبر الأثير» من القمر الصناعي بتقنية «GPS» التي تحدد موضعي وتتتبع خطواتي. وعبر الأثير ترسل الأقمار الصناعية ملايين الصور فيستطيع أي واحد رؤية أي موقع على الأرض من غرفة نومه. ألم يكن نقل الصور حتى الماضي القريب معجزة تستعصي على الفهم؟ أعرف أن بعضكم سيقول: السر ليس في الأثير ولكنما في الأمواج الكهرومغناطيسية التي تنتقل عبره فتنقل هذه الصور والأصوات والإشارات باللغة الرقمية «digital». وأعرف أنه ينبغي علي مراجعة أساسيات الفيزياء التي نسيتها والتي تم تطويرها كثيرا بعد ما غادرت مقاعد الدراسة. ولكن ذلك ليس همي الآن إنما هو ذلك «الأثير» الذي يستوعب كل ذلك الكم الهائل من الموجات، مهما كان نوعها. كيف تزدحم في هذا الأثير بلايين أو بالأحرى بلايين البلايين من الإرسالات فلا يضيق بها ولا هي تضيق به ولا يختلط بعضها ببعض ولا تتصادم أو تتعارض؟ أيها «الأثير» ما ذا تكون؟ هل أنت شيء أم أنك لا شيء؟ هل لطاقتك على الاستيعاب حدود؟ إن لم تكن أنت السحر بعينه فماذا يا ترى؟ أيها الأثير أنت أعجوبة الأعاجيب. أنت نعمة كبرى من نعم الخالق عز وجل لم تدرك كنهك، ومع ذلك فقد طوعتك، تلك الأعجوبة الأخرى العقل البشري . وصدق العلي القدير في قوله تعالى: «إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب». «لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون». للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة