أمهل أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل، المحافظين، الأمناء، ورؤساء المراكز والبلديات في كافة مدن المنطقة ستة أشهر لتعريب كافة أسماء المحال التجارية والقاعات والشوارع واستبعاد كافة الأسماء الأجنبية من منطقة مكةالمكرمة في قرار حاسم لقي تصفيق نخبة من المثقفين والأدباء الذين وقفوا إجلالا لهذا التوجيه الجريء. وقادت ملاحظة أمير مكة على اسم قاعة (ماربيا) التي احتضنت أمس افتتاح الملتقى الثالث الذي أقامه أدبي مكة بعنوان «المثاقفة الإبداعية.. ائتلاف لا اختلاف» إلى توجيهه الحاسم الذي يؤصل للعروبة الحقيقية ويعيد الوهج الزاخر للغة العربية، حيث أوقف الأمير بذلك زحف المسميات الأجنبية التي طغت على مدن منطقة مكةالمكرمة وقال: «لقد لاحظت عند دخولي للمرة الثانية، هذه القاعة التي تحمل اسم (ماربيا) أنها تحمل اسما غير عربي وهذا سر اندهاشي». أقدس البقاع وتساءل الأمير خالد الفيصل بحرقة العربي الأصيل: «نحن في أقدس بقعة وفي مهبط الوحي وفي المكان الذي نزلت فيه أول كلمة في القرآن وهي (اقرأ) بحروف عربية، وشهد ولادة آخر الرسل وهو عربي، فكيف نقبل لمنازلنا ومبانينا وأماكننا ومؤسساتنا وشوارعنا أن تتوشح بأسماء وحروف أعجمية، لهذا فإنني لا أطالب بتغيير الاسم في هذه القاعة فقط ، بل أطالب بالتغيير في مدن ومحافظات المنطقة جميعها». تغيير اللوحات وحسم أمير مكةالمكرمة في خطابه أمس جدلية الأسماء الأجنبية في المحال التجارية بأمره الصريح: «من الآن أطالب المحافظين ورؤساء المراكز وأمناء المدن ورؤساء البلديات ووزارة التجارة أن يبدأوا في تغيير اللوحات في شوارع جميع مدن هذه المنطقة بأكملها ومحافظاتها وقراها وأن تكون الأسماء كلها عربية وإن كان ولا بد أن يكتب الاسم بحروف غير عربية فليكن بحروف صغيرة، أصغر من العربية ويكون تحتها وليست موازية لها وسوف أعطي مهلة ستة أشهر وسأحاسب جميع المسؤولين ابتداء من الإمارة إلى الأمانات والبلديات ورؤساء المراكز». وذهب الأمير خالد الفيصل لدى إطلاقه «ملتقى المثاقفة الإبداعية» إلى أن للثقافة دورا كبيرا في استراتيجية مكةالمكرمة خلال السنوات العشر المقبلة، مشيرا إلى أن الثقافة هي أساس بناء الإنسان الذي يمثل إحدى أهم ركائز استراتيجيه مكة. واشتمل الملتقى على عدد من الكلمات الخطابية، حيث تحدث في الحفل رئيس النادي الثقافي الأدبي في مكةالمكرمة الدكتور سهيل قاضي قائلا «إن السعادة لتغمرني وجميع زملائي منسوبي النادي ونحن نلتقي على ثرى هذه الأرض المباركة التي اختارها الله جلت قدرته منذ الأزل لتكون مهوى الأفئدة ومستقبل القلوب»، وأضاف «إنني أذكر المسؤولية الملقاة على عاتق من سكن مكةالمكرمة عموما؛ سواء تجاه مكة البلدة وأهلها من ناحية أو تجاه وفد الله تعالى وضيوفه وزوار بيته من ناحية أخرى». الانفتاح على الثقافات واستطرد قاضي «تم الاحتفاء قبل بضع سنوات باختيار مكة عاصمة للثقافة الإسلامية وفي حقيقة الأمر أن مكة شرفها الله بأنها العاصمة الأبدية للثقافة الإسلامية، حيث ما زالت وستظل دوما لذلك، لذا فإن المثاقفة لا تعني بأي حال من الأحوال التبعية وطمس الآخر وإنما هي مبنية أصلا على عدد من المبادئ من أهمها الاحترام والتسامح والاعتراف بخصوصية الآخر، ولهذا فهي تختلف اختلافا جذريا عن الغزو الفكري أو الثقافي وهذا ما عناه المهاتا غاندي حين قال «إنني أفتح نوافذي للشمس والريح ولكنني أتحدى أية ريح تقتلعني من الجذور» لقد طبق أسلافنا مفهوم الثقافة من القرن الأول الهجري وذلك بالانفتاح على الثقافات الأخرى حين فعلوا الترجمة التي هي بطبيعة الحال من أهم روافد المثاقفة». وبين قاضي «أن دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى حوار الأديان والحضارات وجائزة الملك عبد الله العالمية للترجمة وما تبعها في هذا الشأن من مؤتمرات ولقاءات وخطوات لتفتح أمامنا، مع الآخر المزيد من النوافذ والأبواب في عالم لا يقبل الانغلاق على الذات». وتحدث الدكتور محمد خضر عريف في كلمة الباحثين قائلا «كم هو جميل أن يعقد هذا المؤتمر في مكةالمكرمة؛ فهي مهؤى أفئدة المسلمين من مختلف أجناسهم فقد أحسن نادي مكة اختيار هذا الملتقى، كما أنه أحسن في اختيار الباحثين المشاركين فيه وأن المسؤولية الملقاة على عاتقنا نحن كباحثين كبيرة، فعالمنا العربي والإسلامي تتقاذفه الأمواج ما بين تيار متطرف ومتشدد غال تكفيري وآخر تغريبي ينظر إلى تراث أمتنا أنه كومة من الأنقاض والخرائب، فماذا نحن فاعلون وكيف نسخر المثاقفة الإبداعية لجعل مشروعنا الثقافي مشروع اعتدال ووسطية يحقق للأمة نهضتها الإبداعية والفكرية». واستشهد الدكتور عريف في كلمته بحزمة الأنشطة الثقافية التي شهدتها المنطقة خلال الأسبوعين الماضيين وقال: «إن ما تشهده مكة اليوم من حراك ثقافي سيؤدي إلى تطور الفكر المعتدل الذي يرعاه سموكم الكريم، وما مؤتمرنا هذا إلا واحد منها، فقبل أيام عشنا أنشطة ملتقى سوق عكاظ في الطائف المأنوس الذي تجاوز في أربع سنوات حدود الإقليمية ليصل إلى العالمية، وكذلك شهدنا الندوة الأولى لكرسي الأمير خالد الفيصل لتأصيل منهج الاعتدال السعودي في جامعة الملك عبدالعزيز بعد عام من إنشائه وتأسيسه. وبالأمس أيضا شهدنا مسابقة «بحب مكة نلتقي» التي رعاها أمير الفكر والإبداع لتكون هذه الشواهد الثقافية نبراسا لفكر الأمير وعمله الدقيق القائم على التخطيط والتنفيذ والمتابعة ولا تغيب عن البال جائزة مكةالمكرمة للتميز، هذه الجائزة التي تعد علامة فارقة». تقاطع الحضارات من جانب آخر، أوضح أمين عام الملتقى الدكتور محمد مريسى الحارثي أن الحضارات في هذا العصر تتقاطع وتتشابك وتتداخل إلى درجة من التعقيد، يكاد الباحث فيها أن يضل عن بلوغ الغاية فحضارتنا أصلها ثابت وفرعها في السماء فهي تعطي الآخر وتقبله وتنفتح على كل علم مفيد ومنذ أربعة قرون مرت على إنشاء النادي الأدبي في مكة وهو يقدم جهده في تحريك الثقافة وفق استراتيجية انتهجتها الإدارة الجديدة للوصول للغايات التي أنشئت من أجلها ومن ضمنها تلك الملتقيات التي تجمع المبدعين تحت قبة واحدة». وكرم أمير منطقة مكةالمكرمة في ختام الملتقى الباحث الدكتور حسن باجودة نظير عطائه العلمي والبحثي والثقافي الذي أثري به التاريخ الإسلامي طيلة السنوات الماضية، كما كرم الأمير خالد الفيصل الأديب والكاتب المعروف عابد خزندار.