يصل إلى الصين اليوم وفد إسلامي يضم ثمانية من علماء الأمة ومفكريها، برئاسة الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وعضوية: المشير عبدالرحمن سوار الذهب (رئيس مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية في السودان)، الدكتور محمد هداية نور وحيد (رئيس البرلمان الإندونيسي)، الدكتور مصطفى سيرتش (مفتي البوسنة والهرسك)، الدكتور أحمد هليل (قاضي القضاة في الأردن، وزير الشؤون والمقدسات الإسلامية السابق)، الدكتور عبدالله المعتوق (رئيس الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية في الكويت، وزير العدل والشؤون الإسلامية السابق)، الدكتور محمد كورماز (نائب رئيس الشؤون الدينية في تركيا). ويلتقي الوفد الرئيس الصيني جاتسنغ لين، ورئيس المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، وعددا من القيادات الإسلامية في الصين من العلماء والأئمة في عدة أقاليم، أبرزها إقليمي شينجانغ وكانسو، كما يزور مدن أورومجي، وكاشغر، ولانجو، بناء على دعوة من رئيس الجمعية الإسلامية في الصين الشيخ هلال الدين تشين قوانغ بوان. رئيس الوفد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله التركي أوضح أن «الزيارة انطلاقة جديدة للحوار مع ممثلي الحضارات والثقافات في شرق آسيا للتعاون في قضايا المشترك الإنساني في ضوء مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار». ولعل أبرز ما يميز مهمة الوفد في زيارته إلى الصين هو الالتقاء مع المسؤولين في الحكومة الصينية والقيادات الإسلامية هناك، وما ستخرج عنه تلك اللقاءات من نتائج تبرز الانفتاح والتعاون بين الطرفين، وتنقل رؤية الدول الإسلامية إلى تلك الدول وأبناء الأقليات التي تعيش فيها. هذا ما يتوقعه أعضاء الوفد من هذه الزيارة، حيث أكدوا في أحاديثهم ل «عكاظ» أن الزيارة ستكون لها فوائد دينية عديدة، وستعالج قضايا إسلامية مهمة، في ظل الاتفاق على تعاون مشترك، بعد أن يبدي الطرفان وجهة نظرهما، وأوضحوا أن المسلمين حين يرون إخوانهم في البلاد الإسلامية يأتون إليهم ويتحدثون معهم ويقدمون لهم النصح، فإنهم سوف يتعاونون معهم لحل المشكلات التي تواجههم، وهذا يرفع، معنوياتهم ويشعرهم بأن إخوانهم حريصون عليهم، وهذا الأمر في غاية الأهمية. مهام الوفد جاء تكوين الوفد الإسلامي، الذي زار عدة دول في السنوات السابقة مثل: دارفور وتايلاند، من قبل المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، للقيام بمهمة تقوية علاقات الرابطة مع الدول الإسلامية والأقليات المسلمة، ونقل الصورة التي تراها الرابطة من خلال مجالسها المختلفة إلى المسؤولين في تلك الدول والمجتمعات، وليستمع الوفد إلى ما لديهم من أفكار ورؤى تتصل بمهمتها أو الشأن الإسلامي العالمي، ويشير الدكتور التركي في حديثه ل «عكاظ» إلى أن «الرابطة إما أن يكون من شأنها معالجة تلك الأمور، أو أن تكون وسيطا لنقل تلك المشكلات إلى الجهات المختصة في الدول العربية والإسلامية». ويعيد الدكتور التركي التأكيد إلى أن الوفد الإسلامي يقوم بعمل من مهمات الرابطة، باعتبارها تمثل الشعوب والأقليات المسلمة، وأنها من مكةالمكرمة منطلق رسالة الإسلام، باعتبار أن لديها برامج تتعلق بالأقليات الإسلامية ومواجهة التحديات التي تواجه المسلمين «لذا لا بد أن يكون المسؤولون في الرابطة على صلة مستمرة بمختلف الدول في البلاد الإسلامية وخارجها، وهو عمل مستمر لأن عملها الأساسي إجراء مزيد من الصلات والعلاقات وبحث المشكلات وإبداء الرأي والنصيحة في أي مجلس يتعلق بمهمة الرابطة». المسلمون في الصين المسلمون في الصين جزء من الأمة، وتاريخ الإسلام في ذلك البلد عريق، لذا لا بد من التواصل معهم، والتعاون مع الجمعيات الإسلامية التي تمثلهم بإقامة المناشط الثقافية والاجتماعية المشتركة، وهذا ما يبينه الدكتور التركي في حديثه عن العلاقة بين المسلمين والصين، حيث يشير إلى أن «العلاقات بين الطرفين تعود إلى عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان، وهي علاقات تشعبت بين وفود التجار والرحالة والبعثات الرسمية المتبادلة بين الخلفاء المسلمين وحكام الصين، فقد لقي الإسلام قبولا من أهل الصين منذ حكم أسرة تانج، التي حكمت الصين بين الأعوام 618 907م، وفق ما سجله المؤرخون، وفي ذلك العهد بني أول مسجد في الصين، فكتب التاريخ زخرت بشرح هذه العلاقة بين العرب المسلمين وأهل الصين»، مؤكدا أن مسلمي الصين «أسهموا في الحضارة الصينية ومازالوا يشاركون في المجالات التنموية والثقافية والاجتماعية، وما صاحبها من تمازج ثقافي وتجاري، شهده طريق الحرير التجاري بين الجانبين، إلى جانب انتقال الصناعات الصينية إلى بلاد العرب ومنها صناعة الورق». وفي لمحة تاريخية مختصرة، فإن الإسلام دخل إلى الصين بعد اندحار الروم والفرس أمام المسلمين، حينها أوفد الخليفة الراشد عثمان بن عفان سفارة لتبليغ الدعوة الإسلامية، وقد رفع بعدها قتيبة بن مسلم الباهلي راية الإسلام في أواسط آسيا بخارى وسمرقند، حيث وصلت جحافل الفتح إلى حدود الصين سنة عام 96 ه (714 م)، فأرسل قتيبة بن مسلم وفدا برئاسة هبيرة بن الشمرج الكلابي إلى إمبراطور الصين، الذي اقتنع بالمسالمة ودفع الجزية، مما حال من دخول الفاتحين أراضي الصين. وفي عام 139ه طلب إمبراطور الصين هاسو تسينغ معونة من الخلافة العباسية لمواجهة ثورة عارمة كادت تعصف بالصين، فأرسل أبو جعفر المنصور جيشا من خراسان استطاع إعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع الصين، وثبتوا حكم الإمبراطور الذي رحب بإقامتهم وسط وجنوبي الصين فأقاموا فيها وتزوجوا منها، واستفاد المسلمين من الخبرات الصينية في مجالات الهندسة والصناعة والري وبناء السدود والقنوات، كما أن للنشاط التجاري بين الصين وبلاد المسلمين دورا كبيرا في نشر الإسلام هناك، خاصة طريق الحرير الموصل إلى أوروبا، ولعب المغول دورا كبيرا في نشر الإسلام في الصين. بروز المسلمين وبرز المسلمون الصينيون في ساحات العلوم والآداب، فاشتهر من بينهم جمال الدين الفلكي، الذي اخترع سبعة أجهزة فلكية لا تزال تحمل أسماء عربية، كما عرف عمر شمس الدين بحسن الإدارة والسياسة، فعينه الإمبراطور حاكما عاما على مقاطعة يونان، وخلدت أعماله وسيرته في كتاب تعليمي نشر في الصين، وكان مادة تعليمية مهمة تدرس للطلاب، وذلك في عهد أسرة «مينج»، ولعب أولاده وأحفاده أدوارا مهمة في إرساء دعائم الوجود الإسلامي في الصين، حيث تمكن أحد أحفاده عام 1358م أن يحصل على اعتراف من الإمبراطور الصيني بأن الإسلام هو الدين الحق النقي الخالص، وتولى المسلمون خلال تلك الفترة حكم ثمان ولايات من أصل 23 ولاية في الصين، وأصبح لهم مؤسساتهم وكيانهم، وانتشرت المدارس والمساجد. ويتمتع المسلمون الصينيون بالحرية الكاملة في الاعتقاد الديني، وحظيت شعائرهم وعاداتهم الدينية بالاحترام والحماية القانونية التامة، وهم يتعايشون مع جماهير القوميات الأخرى بكل وئام وتناغم، وبسبب سياسة «التنمية الكبرى لغربي الصين» التي تنتهجها الحكومة المركزية الصينية، فقد شهدت الأوضاع الاقتصادية للمسلمين في غربي الصين تحسنا كبيرا. وينتمي المسلمون في الصين إلى عشر قوميات هي: هوى (من الصينيين)، الأوزبك وسالار والويغور (من الأتراك)، دونغشيانغ وباوآن (من المغول)، القازاق، القيرقيز، التتار، والطاجيك، وتنتشر هذه القوميات العشر بشكل أساسي في 14 مقاطعة، مع تواجدهم في بقية المقاطعات بنسب مختلفة، ويسكن غالبية المسلمين في منطقة سينكيانغ الذين ينتمون إلى قومية الويغور. الصين الحديثة الصين دولة متعددة القوميات، وتتكون من 56 قومية يشكل أبناء قومية هان 91 في المائة من عدد السكان، والقوميات الأخرى تسعة في المائة فقط (108 ملايين نسمة)، ولغتهم الصينية. ويحترم الشعب الصيني، الذي يبلغ مليار و 300 مليون، معتقدات أصحاب الديانات، حيث يشكلون تمايزا عرقيا ودينيا، ويقطنون رقعة واسعة من الأرض تبلغ خمس قارة آسيا، ويعملون على نهضة بلادهم وتقدمها اقتصاديا وسياسيا دون اعتبار للعرق أو الدين، فتجمعهم قاعدة «المواطنة»، فأصبحت بلادهم دولة غنية بمواردها الطبيعية والبشرية والصناعية منذ أوائل القرن الحالي. الصينيون خططوا لتحظى بلادهم بمكانة عالمية مرموقة، فمنذ عام 1978 حدث انفراج في الإصلاحات فأتاح للأمة الصينية نقلة نوعية متقدمة، حيث أصبحت قوة دولية سياسيا واقتصاديا، من خلال تركيزها على الاستثمارات الأجنبية وجلب اهتمام المستثمرين، والاهتمام بزيادة حجمها في مختلف قاعات الإنتاج وخاصة قطاع التقنية، واستثمارها في البنى التحتية المحفزة للإنتاج. واحتفلت الصين في الأول من أكتوبر الجاري بذكرى العيد الوطني ال 61 على تأسيسها، حيث يؤكد القنصل العام للصين وانغ يونغ في جدة أن بلاده طوال السنوات الماضية للتأسيس انتهجت سياسة الإصلاح والانفتاح على العالم منذ أكثر من 30 عاما، مشيرا إلى أن الشعب الصيني يبذل جهودا كبيرة في إنعاش البلاد للرقي بمستواها، فقد حققت إنجازات جذبت انتباه العالم في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية، حتى أصبحت ثاني أكبر دولة في العالم في جذب الاستثمار الأجنبي.