في معرض تعليقه على بيانات التقرير السنوي (46) لمؤسسة النقد العربي السعودي الذي سلمه لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والذي يستعرض أحدث التطورات الاقتصادية في السعودية للعام المالي (2009م) والربع الأول من العام الحالي، أكد معالي محافظ المؤسسة الدكتور محمد الجاسر في تصريحات نشرتها «عكاظ» يوم الأحد 24 سبتمبر 2010 م بأن التضخم الذي ارتفع إلى ما نسبته 6.1 في المائة الشهر الماضي، سيتراجع من جديد نتيجة انخفاض تكاليف إيجار المنازل في المملكة إلى مستويات مقلقة للمستثمرين!! وفي يوم الأحد 3 أكتوبر 2010م نشرت صحيفة الوطن السعودية نقلا عن دراسات أولية كشفت عنها الهيئة العامة للإسكان خلال ورشة عمل نظمتها الهيئة في الرياض بالتعاون مع الشركة الألمانية (gtz) الاستشارية المكلفة بإعداد الخطة الاستراتيجية للإسكان في المملكة عن مدى الحاجة إلى بناء 1.25 مليون وحدة سكنية جديدة لمواجهة الطلب المتزايد على الإسكان خلال العام الحالي، في حين أنها تمكنت أي الهيئة من بناء 10 آلاف وحدة سكنية حتى الآن في مختلف المناطق. والحقيقة أن الأرقام التي أفصحت عنها هيئة الإسكان لم تكن مفاجأة للمتابعين، لا على مستوى المملكة ولا حتى على مستوى العالم العربي. فرغم التعتيم الذي تفرضه بعض الدول العربية، إلا أننا نعلم من خلال بعض المؤسسات الاستشارية الغربية أن حجم سوق الإسكان الاقتصادي منخفض التكلفة قد تصاعد في البلاد العربية في المشرق وشمال أفريقيا ليصل إلى 125 مليون دولار في العام الواحد، ونعلم أن المطورين العقاريين في المنطقة ما زالوا يحققون أرباحا تتخطى 20 في المائة، وهي نسبة عالية تزيد على ضعف المعدلات العالمية. كما نعلم على مستوى الدول بأن مصر (أكبر الدول العربية) تحتاج إلى 280 ألف وحدة سكنية في العام في حين أن البحرين (أصغر دولة خليجية من حيث المساحة) تحتفظ بقائمة تصل إلى 53 ألف مواطن ينتظرون دورهم في الإسكان الحكومي، والوضع في الكويت لا يقل سوءا عن ذلك. أما في المملكة (أكبر الدول العربية الخليجية) فالمعاناة من نقص المساكن تصل إلى 150 ألف وحدة سكنية في العام، وأن وضع الإسكان في المملكة قد وصل فعلا حدود الأزمة بتصاعد الحاجة للإسكان منخفض التكلفة لتصل إلى مليون وحدة سكنية لا بد أن تنفذ بحلول عام 2014م حسب تقديرات مجموعة (إتش إ س بي سي) المالية العالمية التي تعمل في الأسواق الخليجية أيضا، والتي سبق أن نقلت عنها هذه الأرقام في مقالة اقتصادية متخصصة نشرت لي تحت عنوان «الإسكان الاقتصادي في البلاد العربية» بتاريخ 24 أغسطس 2010 م في صحيفة «الرؤية الاقتصادية» التي تصدر في أبو ظبي. فمشاريع المساكن الاقتصادية تكاد تنعدم في كثير من الدول العربية، رغم عدم توازن التركيبات السكانية لهذه الدول التي تصل فيها نسبة من هم دون الثلاثين إلى 70 في المائة من مجمل السكان. وتفيد التقارير بأن أكثر من ستين في المائة من المواطنين في بعض الدول العربية لا يستطيعون شراء أو بناء مسكن يتناسب مع متوسط دخولهم، وذلك لارتفاع قيمة الأراضي الصالحة أو المستصلحة للبناء نتيجة لاحتكار القلة والمضاربات العقارية المجنونة دون ضوابط أو قيود أو روادع، لتصل بالأسعار إلى مستويات يصعب على معظم المواطنين مجرد التفكير فيها. وبالطبع فإن البديل لتملك السكن هو استئجاره، وفي هذه الحالة يقتطع الإيجار نسبة تتراوح ما بين 60 في المائة إلى 80 في المائة من دخول المستأجرين. ويلاحظ على التقديرات التي أفصحت عنها هيئة الإسكان السعودية أنها تزيد بمقدار 250 ألفا على التقديرات التي صدرت عن بيت الخبرة الأوروبي، وأنها لهذا العام، في حين تعطي التقديرات الأوروبية فسحة من الزمن تنتهي بنهاية سنة 2014م. ولذلك سأقبل بتقديرات هيئة الإسكان رغم أنها متقادمة ومستندة على تعداد 2004 م، ولكنها تقديرات رسمية على أية حال، ويمكن الاستناد إليها كأساس لأية تقديرات مستقبلية. ويلاحظ أن الفارق الزمني ليس طويلا بين تأكيدات معالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي بأن التضخم سيتراجع من جديد نتيجة انخفاض تكاليف إيجار المنازل في المملكة إلى مستويات مقلقة للمستثمرين، وبين تقديرات هيئة الإسكان بالحاجة إلى أكثر من مليون وحدة سكنية، فهو لا يزيد على عشرة أيام. ولكن الرسالة التي يطلقها كل تصريح مناقضة للأخرى ومرعبة في الوقت نفسه. فكيف يمكن أن تنخفض إيجارات المساكن والحاجة قائمة لبناء (1.25) مليون وحدة سكنية هذا العام فقط؟! وحتى لو انخفضت الإيجارات فلماذا؟ ولأي مستوى؟ خاصة أن هيئة الإسكان تقر بأنها لم تتمكن من بناء أكثر من 10 آلاف وحدة سكنية حتى الآن، وهي بصدد بناء حوالي 600 وحدة جديدة وقع رئيس هيئة الإسكان أخيرا عقدا لبنائها؟ فهل قام القطاع الخاص وصندوق التنمية العقارية بتمويل بناء باقي الاحتياج، أم أنه يخطط لاستكمال بنائه قبل نهاية العام الحالي؟ ولكن بما أن معالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي في موقع القرار، وهو مطلع بالتأكيد على جوانب من الصورة لا يمكن أن نراها، وإن كان يهمنا كمواطنين ومستثمرين الإطلاع عليها. نأمل أن يلقي بمزيد من الضوء على تصريحاته بشأن الانخفاض الكبير المتوقع في إيجارات المساكن في ضوء المعطيات الراهنة، خاصة أن الإيجارات قد ارتفعت على مدى السنوات الماضية بما لا يقل عن ثلاثة أضعاف مستواها قبل التسارع الأخير في الإيجارات الذي بدأ منذ أربع سنوات تقريبا، ولم يتأثر سلبا أو يتباطأ حتى في أوج اشتداد الأزمة الاقتصادية العالمية. وهذا يعني أن الإيجارات لو تعرضت لانهيار يذهب بنصفها تبقى أعلى من سنة الأساس بما لا يقل عن مرة ونصف وهذا ما لم يحدث قط في تاريخ المملكة. وفي الختام، أرغب في توجيه عناية كل من معالي محافظ مؤسسة النقد ومعالي وزير الاقتصاد والتخطيط إلى أن تقديرات المتوسط الحسابي للرقم العام للأسعار الذي تحسب على أساسه معدلات التضخم هو متوسط متحيز من الناحية الإحصائية في طريقة حسابه الحالية. وذلك لأنه لا يحسب متوسط التغير لإيجارات المساكن بصفة مستقلة، بل ضمن مجموعة تشمل «الترميم والإيجار والوقود والمياه». وكلنا يعلم أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله قام بتثبيت تعرفة الماء والكهرباء للمستهلكين عند مستويات منخفضة منذ توليه لمقاليد الأمور في هذه البلاد. فكان الأولى أن تحسب متوسطات كل مفردة من هذه المجموعة على حدة لأن المفردات المثبتة سعريا عند مستويات منخفضة في هذه المجموعة غير المتجانسة تؤثر بالانخفاض على متوسط المجموعة، وبالتالي نجد أن متوسط المجموعة لا يرينا حقيقة التغير المتصاعد في إيجارات المساكن، وما إذا كان جلها بسبب التصاعد في الإيجارات أو بسبب التصاعد في تكلفة الترميم. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة