ترك مغرم محمد الذي يسكن حي قويزه (شرقي جدة) عادته الموروثة في مراقبة حركة الأنواء لمعرفة موعد هطول المطر، يقينا منه أن السيل لن يضل طريقه أبدا، وفضل بدلا من ذلك، تتبع آثار إجراءات ومشاريع جهات الاختصاص لدرء أخطار السيول، عله يجد ما يمكن أن يمنع وقوع كارثة سيل الأربعاء مجددا. ومع بزوغ نجم سهيل إيذانا ببدء موسم الأمطار، اقتنع مغرم أن هناك من ينفخ الرماد لإشعال نار الكارثة، فالجبل المقصوص الذي عبر منه السيل لايزال ممهدا، على مرأى من جهات الاختصاص، فلم يجد غير أن يرفع صوته بأهالي الحي المنكوب «ارحلوا قبل أن يعود السيل مع طريقه». يقول شارحا الوضع، إن الرواسي التي كانت تحدد مجرى سيل وادي قوس وتبعده عن التجمع السكاني في قويزه أبعدها مستثمر ومهد طريقا معبدا يؤدي إلى مخطط حديث الإنشاء، «ويبدو أن المخطط رسمي، وستجد السيول من هذا الموقع ممرا سهلا إلى أحياء قويزة والجامعة». وتجاوبا مع صوته الذي يوصي بالرحيل من الحي، قرر جاره سداح العتيبي مغادرة الحي ولكنه ينتظر الوقت المناسب، يقول «سأنجو بعائلتي مع أول قطرة مطر» ويضيف «الجهات المعنية أعادت ترميم الحي بعد الفاجعة ولكنها لم تقم بأي عمل يمنع تكرارها». وفي طرف الحي الغربي، مازال محمد المطيري يستكمل أعمال الترميم في منزله المتضرر إثر كارثة العام الماضي، وحول احترازاته لمطر قويزة، يقول إنه استأجر وعدد من جيرانه استراحة في شمال جدة، للجوء إليها متى ما أمطرت، تحسبا لوقوع أي طارئ، ويطالب جهة الاختصاص بأخذ الحبل من «الغارب» واتخاذ إجراءات وقائية لحماية الأرواح والممتلكات من أخطار السيول. وبالنسبة لمصلح السلمي فلا يبدو أنه سينتظر تلبد السماء بالغيوم ليرحل عن الحي كسابقيه، ويستعين في ذلك بالمثل الشعبي «ضربتين في الراس توجع»، مؤكدا أنه قرر وعائلته الانتقال إلى أحد أحياء شمال جدة بدلا من وضع أيديهم على قلوبهم وانتظار تكرار الفاجعة، ووصل إلى قناعة تامة بأن الكارثة ستتكرر لا محالة، يقول «الجبل المقصوص لايزال على حاله ولا شيء سيقف أمام السيول». ويبدو أن نداءات مغرم بمغادرة الحي وجدت أصداء كبيرة في شوارع قويزة وتأييدا قويا من السكان الذين لم يجدوا بدا من إلقاء اللائمة على الجهة المعنية بدرء أخطار السيول، وفيما يرى إبراهيم العريشي أن المسؤولين انشغلوا بالتحقيق في الكارثة ولم ينتبهوا لدخول موسم الأمطار، يصف تركي البريمي «ساخرا» تعاطي جهة الاختصاص مع الكارثة ب«اللاعب الذي يقوم بتمارين الإحماء خارج الملعب استعدادا للمشاركة في الوقت الضائع ومرماه متخم بالأهداف». ويعتبر علي البريمي أن أمانة جدة والجهات المعنية الأخرى مسؤولة عن اتخاذ الإجراءات الوقائية، ويطالبها بتطمين الأهالي مع دخول الموسم المطير بالتأكيد على أن ما يشعر به السكان من مخاوف إزاء عودة سيل «الربوع» ليست صحيحة، ولن يعبر السيل بوابة الجبل المقصوص. وبنفس الوتيرة من القلق، يعيش سكان أحياء الروابي وكيلو11 وكيلو14 والمنتزهات والعدل ومشروع الأمير فواز، فمجرى وادي القوس يمر بهذه المناطق، قبل أن يتفرع منه وادي غليل، يؤكد أهالي الحي أن قناة تصريف السيول التي أنشئت قبل عشرة أعوام في مشروع الأمير فواز باتت في حال يرثى لها رغم عمرها الصغير. ويقول موسى المدخلي وهو سكان المشروع إن بعض جزئيات مجرى القناة تعاني انهيارا كاملا قد يؤدي إلى عكس المياه تجاه المباني السكنية المجاورة، وستكون آثاره كارثية على الأرواح والممتلكات في حال دهمته السيول، ويضيف «رغم انهيار أجزاء من القناة وتلف أخرى، إلا أن ذلك لم يلفت انتباه الجهات المعنية في أمانة جدة، واستر يا ستار». وتعليقا على هذا الوضع قالت مصادر مطلعة ل«عكاظ» إن مجرى السيل في الإسكان الجنوبي هو أحد أجزاء مشروع تطوير قناة التصريف الثالثة الجنوبية، التي تبدأ من منطقة قويزة وتمر بطريق الحرمين وعدد من الأحياء وتنتهي في البحر بالقرب من قاعدة الملك فيصل البحرية. وأوضحت المصادر أن القناة الجنوبية تتفرع من قناة رئيسية بطول 18 كم أنشئت لتصريف مياه الأمطار من واديي عشير وقوس في قويزة، أما الجزء الفرعي للقناة الذي يمر في إسكان حي الأمير عبدالمجيد النموذجي فقد أنشئ حديثا لتصريف مياه الأمطار من وادي غليل، وتبدأ هذه القناة من الاسكان وتتقاطع مع القناة الرئيسية بالقرب من الاستاد الرياضي، وهي ضمن المراحل الهامة لتصريف مياه السيول والأمطار التي يجري صيانة بعضها وتوسعة البعض الآخر وتمديده.