يعتقد البعض أن من الأفضل البعد عن الناس لتجنب القيل والقال، وأن الاختلاط يولد مشاكل كثيرة، وقد تغرس بعض الأعراف أن الانطواء والابتعاد هو الأفضل والأسلم وقد أصبح هذا الفكر متداولا وعرفا لدى الكثير فتباعد الناس، وقطعت الأرحام، وصار التواصل محدودا، وصار كثير من الناس لا يلتقون إلا في المناسبات، كل ذلك لما ترسخ في بعض العقول من هذه الأفكار، رغم أننا في زمن تطورت فيه وسائل الاتصال ومن الممكن التواصل في ثوان وفي أي مكان. وديننا الحنيف له نظرة أخرى في تعامل المسلم مع الناس، فقد ربط كثير من العبادات بوجود الناس والاختلاط بهم والتواصل معهم وحسن التعامل معهم، فالأجر مرتبطا مع هذا التعامل الحسن والصدقة مثلا عبادة وطرفها الآخر إنسان ذو مواصفات حددت بعناية، والكلمة الطيبة التي أعدت صدقة قد تكون بين الإنسان وخالقه سبحانه وتعالى أو تقال لإنسان آخر أو عدة أناس، ويتضح حسن الخلق إذا لم يكن هناك إنسان آخر تتعامل معه ؟ والأمانة لا تظهر إلا من خلال ما تؤتمن عليه من قبل الآخرين، وهناك قيم لا يمكن أن تظهر إلا في التعامل مع الناس فالعدل وصدق الحديث وإفشاء السلام، وبر الوالدين والتحاب في الله والافتراق عليه لابد من وجود طرف آخر أو إنسان آخر يربطنا به تعامل وعلاقة، إضافة لكل هذا فإن الله سبحانه وجه خطابه في أماكن كثيرة من القرآن الكريم بصيغة الجماعة إلى الناس كافة وإلى المؤمنين جميعا وامتدحهم جميعا محببا بذلك العمل الجماعي والتواصل والاعتصام بحبل الله جميعا وليس فردا فردا. وبالمقابل فإن كثيرا من العقوبات تترتب على سوء العلاقة مع الناس فقطيعة الرحم والكذب على الناس وخيانتهم وسرقتهم والغيبة والنميمة بينهم وغيرها الكثير نهى عنها ديننا الحنيف، فالناس هنا مصدر للأجر والمثوبة ومصدر أيضا لاجتناب العقوبة كما في صلة الأرحام، والابتعاد عن الناس هو بعد عن كثير من الأجر، بل هو بعد عن طاعة الله في كثير من الأحيان. مجيب الرحمن العمري جدة