تحولت تهاني العيد في زمن التقنية إلى مصدر إزعاج يستعيذ منها الكثير، فيصمّتون أجهزة هواتفهم النقالة كما هي المشاعر التي غرقت في تيار التقنية فجمدت، فما أن يزف خبر دخوله، إلا و يبدأ رنين الهواتف النقالة يدوي في الأرجاء حاملا تبريكات العيد، التي وصفها الكثير بأنها رسائل معلبة تشكل إزعاجا على متلقيها، فقد تحولت من وجهة نظر الكثير إلى تأدية واجب ليس إلا، فالصبغة مكررة والمشاعر مجمدة. يؤكد محمد الزهيان أن رسائل التهاني بالمناسبات أصبحت في الوقت الراهن وسيلة تواصل حديثة تسهل التواصل وتقصر المسافات، وفي الوقت نفسه تفتقر للخصوصية والمشاعر الصادقة، ويضيف «أصبحت فقط أبحث عن اسم المرسل دون قراءة الرسالة؛ نظرا للتشابه الكبير بينها والاختلاف الوحيد هوية المرسل ورقمه». من جهتها، أوضحت تغريد السعيد، أنه بمجرد قراءة الرسالة التي تصلها للتهنئة بأية مناسبة تمسحها لأنها -على حد تعبيرها- تأخذ مساحة في ذاكرة الهاتف ولا مكان لها في القلوب، وتضيف: «تشابه المشاعر الحرفية في الرسائل النصية الواردة تحمل ذات الصبغة، فهي أبعد ما تكون عن صدق المشاعر، لذلك لا مكان لها في الأجهزة فبمجرد انتهاء المناسبة يكون مصيرها سلة المحذوفات». ويسخط كبار السن ممن فاتهم قطار التقنية عليها؛ لأنه غيرت مفاهيم العيد لديهم، بل إنها أصبحت تزعج مجالسهم، يقول صالح السفياني: «ننتظر في صبح العيد طارقي الأبواب القادمين للتهنئة، فيحل المساء دون أن نستضيف أحدا والسبب الهواتف النقالة التي سلبت صلة الرحم وجماليات مناسباتنا». وأوضح المعالج النفسي الباحث في الشؤون النفسية والاجتماعية الدكتور أحمد الحريري، أن الرسائل النصية وسيلة سهلة وميسورة لأداء كثير من الواجبات كالمعايدات والتبريكات وحتى التعازي. ويؤكد الدكتور الحريري أن وسائل الاتصال الحديثة بكافة أنواعها تقتل الجوانب الإنسانية والتواصل الأخلاقي والتقارب الروحي بين الناس، وتجعل العلاقات الإنسانية علاقات آلية ترحل من الفضاء الواقعي إلى الفضاء الإليكتروني. ويضيف الرسائل النصية أصبحت من قبيل أداء الواجب، في عالم متغير أصبحت الواجبات فيه تضمر رويدا، رويدا فكثير من الرسائل يبعثها المهنئون دون تصحيحها، وهذا يفسر ضمن الحراك الاجتماعي على أنه انتقال العلاقات الإنسانية من التشعبية والتعددية إلى الثنائية وسيطرة المادة على الجوانب الإنسانية والأخلاقية.