أفي جلسة ثقافية ضمتني مع عدد من المثقفين السودانيين، في الخرطوم، سألتني كاتبة شابة عن معاييري التي أستند عليها في انتقاء عناوين كتبي، لأنها تحس أن كل كتاب يطابق عنوانه، كما أنها عناوين جاذبة، وملفتة. بالطبع شكرت الكاتبة على إشادتها بعناوين الكتب، وبينت لها طريقتي في اختيار العناوين، وكانت طريقة بسيطة للغاية، هي أنني لا أختار عناوين كتبي قط، ولكن أجد العنوان موجودا مع الكتاب ساعة أن أنتهي منه، من دون أي تفكير مني، بمعنى أنه مثلما كتبت الرواية باندياح، لا دخل لي فيه، تستطيع أن تأتي بعنوانها، وقد حدث ذلك في معظم الأعمال التي كتبتها، باستثناء عملين فقط، تدخلت في عنوانيهما، لضرورة فنية، وكان العنوانان اللذان أتيا معهما جميلين. مسألة عنوان الكتاب، التي نغفلها تماما، ولا نهتم بها في كتابتنا العربية، تبدو في الغرب، مسألة شديدة الأهمية، إنها اللافتة المعلقة على الباب، تنادي القارئ إلى طرق ذلك الباب، أو تزجره ليمضي بلا رجعة. الطعم الذي يمكن تذوقه من أول رشفة، فإذا كان مرا، أو غير مستساغ، ضاع المجهود كله، ولطالما كنت معجبا بعدد كبير من الروايات والكتب الشعرية، ولكن أحس خللا في عناوينها، وأن تلك العناوين، جرتها إلى الوراء، بدلا من أن تصعد بها تلال النجاح، في المقابل، شدتني عناوين جاذبة بشدة لكتب أقل إبداعا وجنونا، وقرأتها احتراما لدعوتها الجميلة لي بالدخول خلف عنوان جميل. وأظن أن الاختيار في الغرب لا يأتي عشوائيا، وإنما يأتي بعد دراسة مستفيضة للكتاب، من مؤلفه وآخرين، ثم يوضع عنوانه بعد ذلك. وحتى كتاب العالم الثالث الذين يعيشون في أوروبا وأمريكا، ينشرون كتبهم بعناوين لافتة، إنه جزء من الثقافة التي تعلموها، وانشغلوا بها. وأي مشتغل بالقراءة والكتابة مثلنا، لا يمكن أن يترك كتابا يحمل اسم : ألف سماء مشرقة، أو دموع الضواحي، أو تسعل الفراشة، من دون أن يرى ما بداخله، وهكذا تنجح تلك العناوين الجميلة في بذر الإيحاء أو الدافع للقراءة.. أيضا لاحظت أن ثمة كتب نشرت من قبل في أوروبا، وأعيد نشرها بعد ذلك بعناوين مختلفة، كأن نشرها الأول كان بمثابة تجربة للعنوان، وتم بعد ذلك العثور على العنوان الأصلي، وحين أتأمل العنوانين، أجد كلاهما جميلا وجاذبا، ويذهب ذهني بعيدا إلى مسألة التجارة والربح، وإيهام القارئ بأنه كتاب جديد لنفس المؤلف. من الكتاب الذين أحببت عناوين كتبهم، ماركيز بالطبع، فمعظم أعماله تحمل عناوين شهية، مثل الحب في زمن الكوليرا، ومائة عام من العزلة، وغيرها. أيضا الإسباني أنطونيو غالا، في الوله التركي، التي أبهجني عنوانها بشدة، وسعيت إلى قراءتها، ووجدت الطعم الذي في العنوان، هو نفسه الذي داخل الكتاب. للتواصل أرسل رسالة نصية SMS إلى الرقم 88548 الاتصالات أو 626250 موبايلي أو 727701 زين تبدأ بالرمز 104 مسافة ثم الرسالة