انقطع 60 ألفا أو يزيدون من الرجال والنساء عن الدنيا والتجأوا إلى ربهم، واتخذوا من أقبية الحرم المكي وتوسعة الملك فهد معتكفا طوال 240 ساعة، قدموا من شتى بقاع الأرض، وانقطعوا إلى العبادة مستغرقين في الصلاة والدعاء وقراءة القرآن، معلنين التوبة، طالبين العفو والمغفرة والرحمة. النزول من السلم المقابل لساحات المسجد الحرام، وتحديدا المجاور لباب الملك فهد، يعني الدخول إلى عالم آخر غير الذي نعيشه، شخوص تقاسمت مساحات البدروم وتوسعة الملك فهد، حولهم بقايا حاجات مهمة حرصوا عليها، لا تخرج من وسائد وأغطية النوم ملابس، وبقية من صناديق صغيرة يحفظون فيها حبات تمر يفطر بها المعتكفون، في حين تقدر نسبة النساء المعتكفات ب 40 في المائة. أبو عبدالله قدم من تونس، عمره تجاوز 55 عاما، بدت عليه علامات الخشوع والاندماج في روحانية العلاقة بين العبد والخالق، غاسلا ذنوبه بالدموع، يحكي عن عمله سابقا مغنيا شعبيا في ناد ليلي طوال 40 عاما، قضاها على أنغام الموسيقى والطبل، حتى تحولت وجهته بعد أن توفي صديق عمره وهو مخمور في بيته. أما المخرج السينمائي فاضل، من جنسية عربية، فأعلن التوبة قبل رمضان بأقل من 20 يوما بعد 33 عاما قضاها في عالم التمثيل والتصوير السينمائي، وحرص على أن يؤدي أول زيارة له للمسجد الحرام هذا العام. لكن لضيف الحامدي الذي تجاوز عمره 60 عاما قصة أخرى عن رحلته مع الاعتكاف، يقول «هذا عمودي منذ 15 عاما، أقضي فيه أيام العشر الأواخر من رمضان»، مضيفا «هذه أيام فاضلة، لا أشعر أنني أطعم لذتها إلا بين جنبات المسجد الحرام، حتى أنني في عام أصابني مرض وأنا في ذروة أيام الاعتكاف، لكن من فرط لهفتي وتعلقي به لم أبرح مكاني البتة». إلى ذلك، خصصت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي للمعتكفين أقبية المسجد الحرام لإحياء خلال أيام العشر الماضية من رمضان، ووزعت أكثر من 200 ألف مطوية تحتوي على إرشادات مهمة لكل معتكف، تحثهم فيها على استغلال الوقت والابتعاد عن التجمعات وأحاديث الجلوس والإكثار من تلاوة القران والتفرغ للعبادة. وخصصت الرئاسة البابين رقم 81 و82 لدخول المعتكفين ومعهم أغراضهم، كما عينت مرشدين للتأكد من أن المعتكف لا يحمل معه أكثر من المسموح به وهي سجادة ووسادة وغطاء.