لم تقتصر الرحلة التعليمية للمبتعث صالح بن فهد العصيمي إلى بريطانيا على تحصيل العلم والمعرفة، بل أصبح ممثلا للمسلمين من خلال عضويته في المجلس الاستشاري الدائم للتربية الدينية التابع للمجلس البلدي في مقاطعة ليدز، وانخراطه في هيئات ومجالس بريطانية لمدة خمسة أعوام، وعضوا في هيئة الفصل في قضايا الاستئناف المرفوعة ضد مكتب التربية في مقاطعة ليدز، ممثلا عن الآباء في مكتب التربية في المقاطعة، وعضوا استشاريا في رابطة الأقليات والملونين في المجلس البلدي ومكتب التربية في المقاطعة 2005-2010م. سألت العصيمي عن الهدف من عضوياته في كل تلك اللجان، فقال: العمل في عضوية هذه اللجان كان لهدف الحصول على الخبرة العملية والعودة إلى أرض الوطن حاملا الخبرة العملية والاحتكاك بالمجتمع بفئاته المختلفة، بالإضافة إلى الشهادة العلمية التي ابتعت من أجلها، مما يسهم في تغيير الصورة النمطية للطالب السعودي المرفه، الذي يذهب إما ليضيع ولا يحصل على الهدف الذي ابتعث من أجله، أو أن يذهب وينعزل في تخصصه ويعود حاملا الشهادة، لكن لا يعرف شيئا عن المجتمع الذي عاش فيه، وقد كنت في معظم هذه اللجان الأجنبي الوحيد الذي لا يحمل الجنسية البريطانية، والوحيد الذي ما زال طالبا. • من خلال عملك في مجلس التربية الدينية في ليدز، هل تتوقع صدور قانون لحظر النقاب في بريطانيا كما حدث من قبل فرنسا؟ طبعا لا أتوقع ما لم يستغل من قبل مجموعة ما لتنفيذ عمل إجرامي، وقد تمنعه بعض المدارس على منسوبيها إذا أسيء استخدامه وتم استغلاله بصورة غير تربوية، بل حتى في الجامعة وقد عملت مشرفا في اللجان المركزية للامتحانات في جامعة ليدز- تأتينا، ونحن بدورنا كمشرفين نؤكد عليها للمراقبين بأن يسمحوا بارتداء الحجاب وغطاء الرأس إذا كان لسبب ديني أو ثقافي. والمجتمع البريطاني بالمناسبة يفاخر بأنه مجتمع يدين بالمسيحية لكن تتمتع جميع الطوائف بحريتها التامة بخلاف فرنسا العلمانية حسب حديث دار بيني وبين أحد أعضاء المجلس الاستشاري للتربية الدينية، وهذه مفارقة عجيبة ومصدر فخر لهم كمجتمع له دين لكن الكل حر فيما يعتقده؛ أما في فرنسا العلمانية مثلا فهناك قيود على أصحاب المعتقدات. • أين تكمن مشكلات الجالية المسلمة في بريطانيا؟ تكمن في انعزالها المبالغ فيه أحيانا عن المجتمع البريطاني، وإذا اندمجوا فتظهر فيهم العنصرية والتعصب لأصولهم العرقية. أتذكر حينما عملت في المجلس الاستشاري للتربية الدينية حاولت أن أوزع المشاركات على مختلف المراكز الإسلامية بدل استئثار أحد المراكز المدعومة ماديا بمعظم المشاركات والاستضافات.. وقد جاءني عتب من منسوبي هذا المركز كما جاءني شكر القائمين على أحد المراكز (ليدز جراند موسك) التي لا تحظى بما يحظى به المركز الآخر. • في رأيك ومن خلال عملك كعضو المجلس الدائم للتربية الدينية في ليدز، كيف يحافظ المسلمون على هويتهم الدينية والثقافية مع الانسجام مع القوانين البريطانية؟ من أهم أهداف مثل هذه المجالس هو تحقيق الانسجام بين أطياف المجتمع مع الحفاظ على الهوية الثقافية والدينية لكل طائفة.. فهذا أمر يشجع عليه القانون وطبيعة المجتمع البريطاني، لكن السؤال ماذا عمل المسلمون أنفسهم لكي يستفيدوا من هذا الأمر، فالكرة في رأيي في ملعب المسلمين، هم الذين ينبغي عليهم الإفادة من هذه النقطة واستغلالها لصالحهم بما يحفظ لهم خصوصيتهم ويمنعهم من الذوبان في المجتمع المختلف. والجالية اليهودية مثال جيد لما أقول. • حينما تعلن وسائل الإعلام مشكلة ما وتنسبها للمسلمين كيف ينعكس هذا على أعضاء المجلس حولك؟ لابد أن أوضح أن أعضاء المجلس الأصل فيهم تحقق صفتين: أنهم قيادات دينية، والقيادة الدينية بطبعها متحمسة لمذهبها وقد تكون متعصبة، الصفة الثانية: القبول بالآخرين. ولا أخفيك أن أغلب الأعضاء يظهرون التعاطف مع قضايا المختلفين عن مذاهبهم، وهذا من أهداف المجلس وهو سماع صوت أصحاب الطوائف المختلفة لتقديم الدعم لها عن طريق التعليم الصحيح لطريقتها في دينها في مدارس مقاطعة ليدز، وقد كان بعض أعضاء المجلس يودون التعرف أكثر على المسلمين كما كان بعضهم يؤثر العلاقة الرسمية جدا معي خلال عملي هناك. ولكن في النهاية يحكمنا القانون في التعامل أكثر من أي عاطفة. • مشاركتك كعضو في لجان هل أسهمت من خلاله في تحسين صورة المسلمين؟ الجواب عن هذا السؤال صعب، لكن أرجو أن أكون قد وفقت في ذلك، فمن خلال عملي تقدمت بمقترح لتحقيق هدف من أهم أهداف المجلس وهو أن يقوم ممثل كل طائفة بترجمة النصوص الدينية لطائفته والتي تحث على احترام الآخر ومعتقده، وقد قمت بالفعل بترجمة بعض الآيات والأحاديث وهذا المقترح موجود على موقع المجلس البلدي في النت، وقد لاقى هذا المقترح استحسان رؤساء المجلس وأمينه وأغلب الأعضاء، كما لمست عدم استحسان قلة من المجلس خلال عرضي لاقتراحي ونقاشه لأنه إما لا يوجد في دينهم ما يحثهم على احترام الآخرين، أو أنه كما قال لي أحدهم نحن بهذا نعطي نصف الحقيقة ونغفل النصف الآخر المطبق عمليا. وقد كنت من خلال هذا المقترح أهدف إلى إعطاء الوجه الحقيقي للإسلام بخلاف الوجه الذي يبرزه الإرهابيون ووسائل الإعلام. وقد سألني أحد أعضاء المجلس بعد نقاش الموضوع وخروجنا: هل أنت من البلد نفسه الذي أتى منه ابن لادن وغالبية الذين شاركوا في أحداث ال 11 من سبتمبر؟ فقلت: نعم، وما عرضته في الاجتماع هو الوجه الحقيقي لديني ولوطني تحديدا بشعبه وحكومته؛ لكن التطبيق الخاطئ لا ينتمي لا إلى ديني ولا وطني. كما نظمت زيارة للمركز الإسلامي الكبير في ليدز وقد اخترت هذا المسجد لما يتمتع به القائمون عليه من ترحيب. وقد حظيت الزيارة برقم قياسي بعدد الزوار من أعضاء المجلس ورؤساء التربية الدينية في مدارس مقاطعة ليدز وكذلك الطلاب، وهو ما لم يحصل في أية زيارة لدار عبادة أخرى. وقد قالت لي إحدى العضوات في المجلس إنها لم تكن تعلم أن المسلمين يرحبون بالمرأة في المسجد بهذا الشكل؛ لأنها كانت معتادة أن يطلب منها أن تتحجب وتجلس في مكان منعزل عن الرجال في مؤخرة المركز. كما أخبرني القائمون على إدارة المركز الإسلامي أن مثل هذه الزيارات تسهم في إسلام بعض أفراد المجتمع. كما قال لي أحد رؤساء هذه المجالس «جميل أن نرى شابا مسلما معنا وما زال طالبا، فالمسلمون الذين عملوا معنا سابقا ليس لديهم الالتزام الدائم في هذه المجالس بحكم انشغالهم أو عدم رغبتهم في الإسهام للمجتمع والذي ينعكس بدوره عليهم»، كذلك حاولت أن أغير التصور لدى الإنجليز أن المسلمين طوائف كالمسيحيين وذلك بأن أظهر لهم أنني مستقل ولا أتبع مركزا معينا. • كسعودي، ماذا قدمت لبلدك من خلال عضويتك لهذه اللجان والمجالس؟ طبعا كنت أعمل على عدة محاور للخروج من هذه التجربة الثرية بأقصى فائدة، المحور الأول على المستوى الشخصي اكتساب الخبرة العملية من خلال الاحتكاك بهذا المجتمع المتقدم لإفادة الوطن حين العودة بإذن الله، فلم أكن مقتنعا بأن أدرس فقط دون أن أحصل على أعلى قدر من الفائدة التي أتمنى أن تجد لها صدى في وطني. المحور الثاني وقد كان هاجسا لدي منذ غادرت وطني وهو كسر الصورة النمطية الخاطئة للطالب السعودي الذي ينعزل في تخصصه وجامعته ثم يعود لا يعرف إلا أقل القليل عن البلاد التي أقام فيها فترة من عمره، وقد كنت عن عمد في تقديمي لنفسي في كثير من هذه الهيئات أعرف بأنني طالب سعودي. المحور الثالث دعوة المجلس البلدي ومكتب التربية لكثير من فعاليات النادي السعودي والأيام السعودية التي يقيمها زملائي السعوديون هناك للتعريف بالمملكة العربية السعودية. المحور الرابع تقديم المساعدة والمشورة للسعوديين حينما يحتاجون إلى قبول في مدارس ليدز لأبنائهم، وكذلك المشورة للعرب المقيمين هناك والحاصلين على الجنسية البريطانية، مما ساهم بكسر الصورة النمطية الخاطئة عن السعودي.. هذا بالإضافة إلى مساعدة المدرسة السعودية في ليدز في الحصول على دعم حكومي وإيجاد مبنى لها، وكذلك السعي لتسجيل النادي السعودي في ليدز رسميا لدى المجلس البلدي وتقديم المشورة له فيما يتعلق بأنظمة المجلس البلدي.