وهكذا رحل الدكتور غازي القصيبي عن هذه الدنيا بعد حياة مليئة بالعلم والعمل والإنجاز لهذا الوطن وأهله. أجزم أن الحديث عن المنجز الوطني الذي قدمه الراحل غازي ثقافياً واجتماعياً وفكرياً وعملياً لا يمكن أن تلم به هذه السطور. لقد ملأ الدنيا وشغلها حياً كما شغل الناس ميتاً، وتلك هي حياة الكبار ورحيلهم كما كان صاحبه (المتنبي) عندما وعيت نفسي مثل أبناء جيلي ولما تتجاوز أعمارنا العاشرة كان اسم القصيبي ملء أسماعنا وعيوننا. وعينا أنفسنا منذ منتصف التسعينات الهجرية وهذا الاسم المتميز يتردد علينا في المجالس والصحف والتلفزيون والإذاعة وزيراً للصناعة والكهرباء ووزيرا للصحة ثم أخيرا سفيرا للمملكة في لندن والبحرين حتى حط رحالة في وزارة العمل. كان بإجماع لا نظير له نعم المؤتمن في جميع تلك المسؤوليات التي تقلدها. كان عنوانه الأوحد هو النزاهة وعفة اليد والنقاء الذي استطاع أن يمثل من خلاله أنموذجا للمسؤول الصالح الصادق. ولم تكن الأمانة والنزاهة هي العنوان الأوحد لنجاح القصيبي بل كان النجاح والجد والطموح لتحقيق تطلعات ولاة الأمر وتقديم الخدمة المستحقة والواجبة للمواطن لذا لم يكن غريبا أو مفاجئا أن يحظى بهذا القبول الكبير من لدن المواطنين لأنهم وجدوا فيه المسؤول الصادق بحق مع ولاة أمره ووطنه. أما أخلاقيات غازي القصيبي فكان مدرسة قدوة فمن ذلك أني التقيته قبل حوالي ثلاث سنوات لدعوته بتشريف (الثلوثية) في لقاء ثقافي يطل من خلاله على محبيه وعشاق قلمه، جلست بجواره في مكتبه بوزارة العمل وهو يستقبل المواطنين ويقضي حوائجهم ويرد عليهم بلطفه وابتسامته وأسلوبه المقنع الذي يبهر الناس جميعاً، اعتذر إلي بلطفه المعهود وأمطرني بعبارات يقطر معها التشجيع والدعم للثلوثية ونشاطها ثم اعتذر إلي بأدب جم وعزا ذلك إلى المسؤوليات التي حملها والجميع يعرفها ويكفي أن أقلها وزارة العمل ثم لحق ذلك بخطاب رقيق بعثه إلي مؤكداً على اعتذاره. أي عقل احتمل هذا الزحام الكبير من المواهب والقدرات والإمكانات التي وهبها الله لهذا الراحل. لنا أن نتساءل كيف كان يدير وزارة ويرأس لجانا ويرافق ضيوفا ويصدر قرارات ويدرس معاملات ويقدم الرأي والمشورة. يكتب الرواية والقصة ويقرض الشعر ويدون الذكريات ويصدر للإبداع كتاباً جديداً في سماء الثقافة ويلاحق في كل لحظة أخبار السياسة. كان بحق شخصية استثنائية ليس في المملكة العربية السعودية فحسب بل حتى في العالم أجمع. كان لا يقف رحمه الله في كل أزمة مرت بها المملكة موقف المتفرج كحال بعض المسؤولين بل كان دوما يبحث عن الوسيلة الناجحة لمؤازرة الوطن والوقوف مع ولاة الأمر. إن حياة وسيرة غازي القصيبي لم تكشف بعد وإني أطالب أسرته وذويه وأصدقاءه ومحبيه أن يزودوا الوطن بمزيد من حياة هذا الرمز الكبير وبالأخص الأستاذ عبدالرحمن السدحان والدكتور عبدالعزيز الخويطر والشيخ محمد أبا الخيل والدكتور إبراهيم العساس فهؤلاء في ظني في جعبتهم الكثير مما لم يكشف بعد عن حياته رحمه الله. لقد حظي بثقة مطلقة وكبرى من ملوك هذه البلاد المباركة الملك فيصل والملك خالد والملك فهد رحمهم الله إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أيده الله. وهكذا طويت أنفاس غازي القصيبي لكن أعماله وجهوده ومآثره باقية لا تمحى على مر الدهور. لقد أبقى لنا غازي القصيبي شيئاً ثميناً وعظيماً وهو القدوة في حبه لوطنه وإخلاصه لولاة أمره وخدمته للمواطنين وعشقه للأدب والثقافة ونزاهته وعفة يده وقائمة طويلة من المثاليات والأخلاق التي لا يجمعها سواه (القدوة). رحمك الله يا أبا سهيل فلقد فقدناك وأحوج ما نكون إلى الأوفياء الصادقين. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 253 مسافة ثم الرسالة