كم أتمنى أن يتأمل المسؤولون جيدا ما فجره رحيل غازي القصيبي من مشاعر في نفوس الناس بمختلف شرائحهم وثقافاتهم واهتمامتهم.. كم أتمنى عليهم أن يتمعنوا جيدا في دفق هذه المشاعر، ليس فقط المكتوبة في الصحف، بل التي يعبر عنها الناس في كل مكان.. نحن اليوم لا نتحدث عن غازي القصيبي الأديب والمفكر والفنان والشاعر، وإنما نتحدث عن غازي القصيبي (المسؤول)، والدرس البليغ الذي يحسن بكل مسؤول أن يستوعبه وهو يسمع ما يردده المجتمع من سيرة غازي في كل مواقع المسؤولية التي أدارها.. لقد كان غازي يعطي دروسا بليغة في حياته، وها هو يعطي درسا أبلغ عند رحيله.. تأملوا، أيها السادة المسؤولون، ما يمكن أن يتركه المسؤول بعد رحيله.. تأملوا كيف رحل كثيرون بصمت، كيف تلاشوا من الذاكرة سريعا بعد نشر خبر رحيلهم، وتأملوا في المقابل كيف سيبقى غازي القصيبي خالدا في الذاكرة.. وإذا حاولتم أن تسألوا: لماذا، ستجدون الإجابة حاضرة وبسيطة ومباشرة وواضحة.. الصدق.. الأمانة.. العفة.. الإخلاص.. الإبداع.. الفكر الإداري الذي يستشرف المستقبل.. شجاعة القرار.. الصراحة مع ولاة الأمر والجهر بالرأي الذي يصب في صالح الوطن.. الوضوح مع النفس والآخرين.. الالتزام بقول الحقيقة وعدم تلبيسها أو تحريفها أو تجميلها.. الاعتراف بالخطأ والاجتهاد الصادق لتصحيحه.. مقت المجاملات على حساب مصلحة الوطن.. التواضع.. الترفع عن هوس المنصب وبهرجه وخيلائه.. وكثير من الصفات والخصال التي لا يتشبث بها في كل الظروف والأحوال سوى المسؤول الذي يدرك المعنى الحقيقي للمسؤولية أمام الله وضميره ومجتمعه ومن ولوه تلك المسؤولية.. لقد تولى غازي القصيبي رحمه الله أكثر من مسؤولية كبيرة وحساسة.. أخطأ وأصاب كما يخطئ ويصيب الآخرون، لكنه كان يتميز بحرصه على أن يكون مبتكرا وخلاقا ومبدعا في كل الأوقات.. حين يصيب لا يبحث عن الإطراء والثناء، وحين لا يحالفه الحظ لا يتنصل من المسؤولية ولا يعلقها على الآخرين.. لتلك الأسباب وكثير غيرها لم يتهامس الناس يوما عن شبهة تلوثه، ولم يشيروا إليه بالتقصير المتعمد، أو التهاون والتراخي.. حاولوا أن تستعيدوا بعض مواقفه وممارساته في كل المواقع التي مر بها، وستعرفون كيف يبقى مسؤول في ذاكرة المجتمع ناصعا، وكيف يذهب آخر مع الريح.. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة