عندما توجد الحاجة يوجد معها الاختراع لذا قيل «الحاجة أم الاختراع»، إذ ينطبق ذلك المثل جيدا على سيدات سعوديات وجدنا أن أفضل طريقة لمواجهة الحاجة واللجوء لطلب المساعدة المادية من الآخرين هي إيجاد حيلة غير مرفوضة من المجتمع من مبدأ «من عدم الحيلة فليطبخ»، خاصة أن رمضان تتعدد فيه الأكلات بأنواعها المحلية والعربية، كما أن ضغوط الحياة العملية بالنسبة للمرأة المسؤولة عن زوج وأسرة أوجدت على السطح مشكلة توفير المأكل للزوج والأطفال لتنشأ بسبب ذلك كله سيدات أمتهن الطبخ من منازلهن. «عكاظ» التقت بعدد منهن وسمعت منهن كيف كانت حالتهن المادية قبل وبعد لجوئهن إلى الطبخ للأخريات في المنزل بمقابل مادي؛ أم راشد امرأة سعودية (48 سنة) مشاركة في برنامج (أكلات شعبية) الذي يعرض على القناة الثانية في رمضان منذ عامين إلى جانب برنامج (أكلات بكل اللغات) في القناة الأولى، تقول عن تجربتها في ذلك «بدأت أطبخ للآخرين بمقابل منذ نحو تسعة أعوام، وكانت البداية بنصيحة من صديقة لي سعودية تعمل قهوجية بالطبخ خلال المهرجانات فترددت بداية، حيث شعرت بالخجل في أن أطبخ أمام الآخرين وليس هذا فقط بل ببيعه، ولكنني تشجعت بعد إلحاح منها فشعرت بالراحة والسعادة بعد ذلك، حيث حدثت تغييرات في حياتي كثيرة، خاصة أن الكثير من السيدات أصبحن يطلبنني بالاسم للطبخ لهن في مناسباتهن الاجتماعية، حتى المهرجانات، خاصة أنني أتقن العديد من الأكلات الشعبية؛ سواء المعروفة في مدينة الرياض أو في بقية مناطق المملكة». وتشير أم راشد إلى أنها بدأت في اللجوء لطرق في جذب العملاء «في الأعراس أعمد إلى تأجير طاولات بما قيمته 1500 ريال فقط، رغم أنني أضع عليها بعض الأغراض الشعبية البسيطة مثل اللبن والكليجا والإقط وقرص عمر، وتكون موضوعة في أوانٍ صغيرة مصنوعة من السعف ومن ثم يضع الأهالي الحافظات التي تحتوي على الأكلات سواء تلك التي طبختها أو نفذ ذلك غيري». وحول أبرز أنواع الأكلات التي تلقى رواجا في رمضان تقول أم راشد «إن الكثير من العائلات تتفق معي قبل الشهر بأسابيع، حيث يحرصون على أن أطبخ لهم المراصيع وكبيبة حائل، وتزداد الطلبات عند قرب مناسبة القرقيعان في الفترة من 14 إلى 18 رمضان، حيث تحتفل الأسر السعودية بهذه المناسبة، فأذهب إليهم وأطبخ أمامهم في حين أعمد بعض الأحيان إلى إرسال ما طلبوه بشكل جاهز مثل المراصيع، السنبوسة وكبيبة حائل والفطاير». وحول أسعار الطبخات تقول «إن ذلك يختلف باختلاف حجم الحافظة ونوعية الأكلة فمثلا؛ الحافظة التي سعتها سبعة لترات ونصف اللتر سعرها 100ريال، أما التي سعتها 15 لتراً ف200 ريال، وهذا يشمل جميع الأكلات الشعبية، وبالنسبة للمعجنات فأسعارها تختلف، حيث أتعامل بسعر الحبة؛ فمثلا السنبوسة بريال واحد فقط وبالنسبة لكبيبة حائل فالحافظة الصغيرة يكون سعرها 50 ريالا». وحول ما إذا كان هناك رجال يطلبون منها أكدت الطباخة أم راشد أن ذلك يحدث باستمرار «هنالك طلبات كثيرة خاصة من العزاب، حيث يطلبون فطورا يوميا يحتوي على طلبات ثابتة كالشوربات والمعجنات». وأكدت أم راشد في نهاية حديثها أن حياتها المادية ومن يعملن معها تغيرت كثيرا، فبالنسبة لها فلم تعد تلجأ للاقتراض من الآخرين، كما في السابق بل على العكس أصبحت هي من تقرض. أما السيدة أم طلال -وهي من أهالي الطائف- فذكرت أنها تعمل منذ نحو خمس سنوات في مهنة الطبخ «كانت البداية في تفنني للطبخ لأقاربي في المناسبات، فنصحتني قريبة لي بالطبخ للناس بمقابل مادي، وبعد استشارة زوجي وافق لأنطلق رغم صعوبات البداية، لكنني بعد ذلك وجدت أن النتيجة التي أحصل عليها سواء مادية أو معنوية تستحق العناء، فاستعنت بسائق سعودي كتبت على سيارته وسيلة الاتصال بي لتلقي طلبات العملاء وبالفعل أصبحت لا أجد وقتا، ولله الحمد لتلقي الطلبات سواء من سيدات أو رجال وحتى عزاب». وتضيف أم طلال «في رمضان تزداد الطلبيات خاصة من العزاب أو السيدات المتزوجات والموظفات، لدرجة أن بعضهن تطلب حتى تجهيز سفر فطور كاملة محتوية على العصائر أيضا بينما يطلب العزاب أكلات عدا الخميس والجمعة لأنهم عادة لا يكونوا متواجدين في مدينة الرياض». وحول الأسعار أوضحت أم طلال أن أسعار الأكلات الشعبية مثل المرقوق والقرصان تبدأ من 70 و150 و300 ريال لأن محتوياتها أكثر. وحول أغلى طلبية جهزتها، ذكرت أم طلال أنها كانت لمناسبة زواج، حيث وصل سعرها إلى أربعة آلاف ريال لتنوع الأكلات فيها ونفت أن تكون هناك طبخات يصعب عليها طبخها؛ لأنها تعودت على الطبخ منذ سنوات، كذلك تعلمت العديد من الأكلات التي لمست من الآخرين حرصهم على أكلها مثل الأكلات الجنوبية والحجازية، لكن هناك طبخات تستغرق وقتا أطول من غيرها مثل الأسماك بأنواعها. وحول ما إذا كانت تواجهها مضايقات أو منافسة من أحد قالت: بالنسبة للمنافسة فلمستها من أقاربي الذين كانوا يشجعونني في البداية بحيث طلبوا مني تدريب بناتهن أو خادماتهن على الطبخ لكي يعملن في المهنة نفسها، بعدما كانوا يطلبون مني بعض الأكلات بمقابل لم يعودوا يطلبون أبدا. وبالنسبة للمضايقات فهي من بعض الشباب وهم قلة يتصلون على الجوال الذي يرونه على سيارة توصيل الطلبات أو يقومون بإرسال رسائل مزعجة لا داعي لذكرها. وحول ما إذا كان بناتها يقمن بمساعدتها في الطبخ، أوضحت أن لديها بنتين؛ إحداهما متزوجة والأخرى تعمل ويساعدانها في بعض الأوقات، لذا فهي تستعين بخادمتين لديها وكل ذلك بدعم زوجها وأبنائها أيضا. أما ريتاج مراد -وهي فتاة سعودية في أواخر ال20 من عمرها تحمل الثانوية العامة- فتقول إنها لجأت إلى العمل في هذه المهنة للحصول على مصدر رزق بسبب عدم حصولها على وظيفة وكذلك لإشغال وقت فراغها. وبالنسبة للأسعار فتوضح ريتاج أن الأسعار تختلف من أكلة إلى أخرى، وقد تضطر إلى رفع الأسعار، ولكن بشكل طفيف نتيجة لارتفاع أسعار الخضراوات ورقائق السنبوسة، هذا في حالة لو أنها استمرت في المهنة، ولكنها قد تتوقف نظرا لمزاحمة قريباتها الموظفات لها فبدلا من أن تطلب منها طلبيات لها أو لزميلاتها في العمل كما في السابق إلا أنها توقفت. وفي سؤال حول الأسباب التي تقود إلى لجوء السيدات إلى الأخريات للطبخ لهن، ذكرت ريتاج أنها تتعدد من باب التنويع في الأكل خاصة إذا كانت لا تتقن بعض الأكلات وبالأخص الشعبية، كما أن هناك أزواجا أو أخوانا مطالبهم كثيرة وعلى وجه التحديد في رمضان ولا يقدرون، والمرأة كائن حي يتعب كما أن هناك سيدات موظفات يفاجئهن أزوجهن بأن لديهم ضيوفا وبالطبع لا وقت لديهن فيهرعن إلى اللواتي يعملن في هذه المهنة لمساعدتهن. أما فاطمة الغامدي فبدأت المهنة من خلال المهرجانات سواء داخل مدينة الرياض أو خارجها بعد ذلك أصبحت تشارك في التلفزيون السعودي من خلال برنامجي (أكلات بكل اللغات) و(أكلات شعبية) في تخصص أكلات من المنطقة الجنوبية. تقول فاطمة عن تجربتها «تعلمت الطبخ من أمي لذا أصبحت أشارك في مهرجانات عدة بمقابل مادي جيد نوعا ما مثل سوق عكاظ أو الجنادرية وكذلك من خلال مشاركتي في البرامج التلفزيونية وهذه المهنة ليست عيبا أو حراما يخجل أي أحد منها». وتتمنى فاطمة أن تجد جهة تنظم هذه المهنة لمساعدة السعوديات على إيجاد مصدر رزق لهن، خاصة للواتي لا يحملن شهادة عالية.